بوشاكور يكتب: اثر البريكسيت على الاقتصاد المغربي 

البريكسيت، أي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي سيصبح ساري المفعول ابتداءا من 31 أكتوبر الحالي رغم المعارضة الداخلية الشديدة للبرلمانيين على سياسة بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني الذي يسابق الزمن من أجل تنفيذ خطة البركسيت بما فيه الاتفاق الذي توصل إليه باسم الحكومة البريطانية مع الاتحاد الأوروبي والذي يمهد لخروج تدريجي وسلس للبلاد من الاتحاد الأوربي.
إن البريكسيت لا يعتبر شأن داخلي لدولة بريطانيا بقدر ما هو حدث عالمي وتاريخي تترقبه كل الدول لأن بريطانيا خامس قوة اقتصادية عالمية وخروجها من الاتحاد الأوربي سيؤثر على المالية العالمية وعلى البورصات الدولية وسيتم اللجوء للاحتياطي من الذهب عوض العملة لانه أقل مرونة وأكثر ضمان وهو الأمر الذي لن يتأتى للدول الفقيرة أو في طور النمو والتي ترتبط اقتصاديا بالاتحاد الأوربي عموما أو بريطانيا على وجه الخصوص.
ومن تم فإن البريكسيت إلى جانب الصراع التجاري بين أمريكا والصين وبين أمريكا وتركيا وايران ومع تكاثر النزاعات الإقليمية بالشرق الأوسط والحركات الاحتجاجية بفرنسا (السترات الصفراء وإضرابات السككيين ومشاكل المتقاعدين) والتوترات المتفرقة بالعالم ومع تحديات التغيرات المناخية، ينتظر العالم اقتصاد صعب خلال السنتين المقبلتين ولا شك أن الاقتصادات الهشة ستعاني الأمرين.
باستحضار ما سبق، وبالرجوع لمؤشرات الاقتصاد الوطني المغربي :
⁃فالنمو الاقتصادي المتوقع في 3% سينخفض ل2,9% حسب توقعات المندوبية السامية للتخطيط؛
⁃ارتفاع نسبة التضخم ل2,1% سنة 2019؛
⁃انخفاض نسبة الادخار  لتصل إلى 27,7% سنة 2019 عوض 28,9% سنة 2017 و 28% سنة 2018؛
⁃ارتفاع نسبة المديونية إلى 82,5% من الناتج الداخلي الخام سنة 2019 وهي مرشحة للارتفاع مع عزم الحكومة اللجوء للاقتراض مجددا مع اداء الاقتصاد الوطني الذي لازال يركز على الفلاحة كالمصدر الأول للقيمة المضافة.
إن الاقتصاد الوطني مطالب اليوم للاستجابة للتحديات
الاقتصادية والاجتماعية الداخلية تجاوبا مع انتظارات الساكنة من جهة، ومطالب بمقاومة التحديات الأجنبية وتبعات التطورات السياسية والاقتصادية الدولية من جهة اخرى.
إن المغرب مطالبا أكثر من أي وقت مضى لبلورة مخططات قطاعية جديدة كما جاء في خطاب جلالة الملك نصره الله، لانه رغم ايجابيات بعض المخططات السابقة الا ان الظرفية أثبت محدوديتها واهمية تنزيل مخططات جديدة تستجيب للمتطلبات الآنية والمباشرة لساكنة المغرب ومنفتحة عل اقتصادات العالم. يكفي استحضار المخطط الأخضر رغم نتائجه الإيجابية على بعض الفلاحين مرحليا لكي نستخلص من خلال المعطيات والمؤشرات أن رتابة النشاط الفلاحي منذ سنة 2013 (حسب تقرير والي بنك المغرب الموجهة لجلالة الملك بتاريخ 28 يوليوز 2019) أصبح معطى جد مقلق لأن القيمة المضافة الفلاحية تتأرجح في محيط 2,3% في حين كانت تتجاوز 4,6% بين 2000 و 2012.
وما يستنتج على الأنشطة الفلاحية بصفتها اول مساهم في خلق الثروة بمخططاتها يقال وينطبق على القطاعات المنتجة الاخرى بمخططاتها التي لم تقوى على تحفيز المستثمرين المغاربة والأجانب وهو ما يفسر ضعف النسيج الاقتصادي الذي من الممكن ان يتأثر مستقبلًا من البركسيت ومن تداعيات الاقتصاد الدولي الذي سيتراجع بدوره حسب اخر تقرير لصندوق النقذ الدولي ” آفاق الاقتصاد العالمي 2019 » إذ لن تتعدى نسبة نمو الاقتصاد العالمي 3,2% سنة 2019 و 3,5% سنة 2020.
في ظل هذه الظرفية الصعبة لازال المغرب بمقدوره قلب التكهنات وجعل الأزمة العالمية لصالحه ان بادرت الحكومة بإصلاحات جوهرية كتنزيل امثل للجهوية الموسعة وتنفيذ عقلاني لميثاق اللاتمركز الذي من شان خذمة الاستثمار وإصلاح الإدارة. اليوم قبل الغذ، المغرب مطالب بتنزيل نموذجه التنموي الجديد مع المخططات القطاعية الجديدة التي دعا جلالة الملك نصره الله الحكومة لبلورتها لان من شانها ان تستقطب المستثمرين الباحثين عن مجال ترابي مستقر دوليا. والمغرب بموقعه الجيواستراتيجي جنوب أروبا وشمال أفريقيا يعتبر ملجأ آمنا للاستثمارات الخارجية الهاربة من التوترات الإقليمية.
نحتاج اليوم لسياسة اقتصادية إرادية للاستفادة من البريكسيت ومن الأمن والأمان الذي ينعم به وطننا ولكن ذلك رهين بنموذج تنموي جديد يتم تنزيله جهويا لتكريس العدالة المجالية والاجتماعية واستدامة الأمن الاجتماعي والاقتصادي على المستوى الداخلي بتوفير فرص الشغل للشباب ورفع تنافسية الجهات لتستقطب الاستثمارات الكبرى وفق مبذأ العدالة الجهوية وحسب الخصوصيات الجهوية. وربما نحتاج اليوم إلى
« New deal régionaux  » على الطريقة المغربية ويبدو ان جلالة الملك خلال خطبه الأخيرة يؤسس للأمر مع تبني نموذج تنموي جديد ومخططات قطاعية جديدة وتنزيل جهوية موسعة وإدماج الكفاءات. يبقى الأمر رهين بالساهرين على بلورة وتنزيل  ذلك وعلى قدرتهم على بلورة رؤية واضحة متوافق حولها بالجهات لان اليوم الرهان بالمجالات الترابية وليس بالمركز . اشراك الكفاءات بالجهات كفيل بتطعيم النموذج التنموي الوطني بافكار تخدم التنمية الجهوية وتحقق العدالة المجالية كونها من اهم مبادئ التنمية العادلة.
سفيان بوشاكور/ دكتور وباحث في إعداد التراب 
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)