سوسيولوجيا الشعب.. من الرفض إلى الفرجة!

كلّما ساد الاعتقاد بفناء فلسة الوجود، والرفض، وما يدور في فلك مشروع النقد المجتمعي، تولّى الحاضر مهمة بعث الروح فيها من جديد، وإعادة إحياء خطاب المعنى الذي أُريد له أن يغيب، وأن يترك المجال لكل أشكال البؤس، والانحدار؛ وتحديدا في مجتمع فقد كل شيء ما عدا القدرة على إشباع الفضول، والبحث عن الفرجة هنا وهناك.

 

ولأن السوسيولوجيا لا تفكّر إلا انطلاقا من المجتمع، ومن متغيراته، فإن ما يقع في الهنا والآن لا يعدو كونه نتاجا لسيرورة الأزمة، التي لا يمكن فصل سياقاتها، ومحصلة لتاريخ من الهدم، على اعتبار أن البنية، بمنطق الفكر السوسيولوجي، ليست معطى سُكوني، ولا وضعية محكومة بقوانين جامدة، وإنما هي عبارة عن تنظيم يستند إلى قوانين تساهم في عملية بنائه، وتعمل على ضمان استمراريته، وبالتالي فإن النهاية ليست سوى مرآة عاكسة لشروط البناء، إذ كلما كانت لبنات البناء هشة، ومنفلتة عن أجزاء ” السيستيم”، كان الانهيار أمرا محتوما، وقبله تظهر التشققات، والتصدعات، وحيثما ظهرت هذه الأخيرة أعلنت بداية النهاية، لكن نهاية من!؟ هل نهاية شعب يتلذذ بتوثيق أشرطة الفواجع، أم نهاية وجود وتاريخ!؟ أم أن المسكوت عنه هو المعني باختلاف الأزمة، وبافتعال فناء سابق لأوانه!؟

 

على هذا الأساس، فإن السؤال المشروع هو هل الصدفة تحكم النشأة أم أن هناك متغيرات قبلية تصنع الفرجة وتؤسس لوعي يتغذى على الأزمة!؟ وهذا السؤال منفتح على واقع الحال الذي أضحت معه الفواجع مرجعا حقيقيا للفرجة، ولإشباع رغبات الفرد المكبوتة، خاصة في زمن التكنولوجيا، حيث الصورة فاضحة لما يجري في الخارج، لكنها كاسفة لعمق الأزمة الإنسانية؛ أزمة قيمية يحياها الفرد في تفاصيل حياته، وتنقل بالملموس أجوبة الأفق المنتظر، ذلك الأفق الحابل بقلق المصير، إنه قلق مجتمعي حيال الضمير، لكن أشكال تصريفه تطورت من الشعور ب” الخوف”، إلا توثيق الخوف الممزوج بالفرجة؛ الفرجة التي تُصنع من كل شيء ومن لاشيء.

 

في واقعة إمليل، وقبلها فاجعة تارودانت، وكارثة طفلة ” سيدي علال البحراوي”، تتأكد أطروحة الركون إلى التوثيق، والبحث عن شاهد ” يبلِّغ الله بكل شيء”، وعلى الرغم من القراءة الفلسفية التي يحتملها الفعل، بالنظر إلى هيمنة عصر التقنية، وفشل كل محاولات الاحتواء والتوجيه، فإن الشعور بالانهزام، وبالخوف من التضحية.. كلّها عناصر باتت تتحكم في تدخلات الأفراد، وفي كل محاولات انعتاقهم من أسر القلق الجاثم، وهذا طبيعي جدا ما دامت معاول الهدم قد وُجهت نحو البنية الكلية، وبموت المعاني الكلية ينتهي كل شيء.

 

في الفكر الفلسفي الوجودي يُجيب الأديب والروائي الفرنسي – الجزائري ألبير كامو عن سؤال الرفض والكائن الرافض؛ ويوضح أن الإنسان الرافض هو القادر على أن يقول ” لا”، ومفهوم ” اللا” يحتمل السياق، بمعنى القدرة على قول لا في الوقت الذي يفرض على الفرد أن يقول فيه لا، لأن السياق هو الذي ينتج المعنى، والرفض المجتمعي جزء من هذا المعنى.

 

ختاما، فهم المجتمع، وما يعتمل فيه، عمل تتقاطع فيه عدد من العلوم، خاصة علم الاجتماع وعلم النفس، لكن ما يسجل في هذا الباب هو أن الفرجة تجاوزت جمهور الناس، لتصير قاسما مشتركا بينهم وبين ” النخبة”؛ وفرجة هذه الفئة الأخيرة – دينية، علمية، فكرية، صحافة – صادمة بالنظر إلى أدوارها الهائلة التي من المفروض أن تطلع بها، وكلّما ركنت إلى الوراء، وقبلت بأن يكون دورها ” فرجويا”، ولا يتعدى كونه ” توجيهة”، اتسعت رقعة الرداءة، وهيمن الوعي التسطيحي الفُرجوي.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)