المتصوفة..فهم مستنير للدين.. من يكن لهم العداء؟

 

لطالما عرفت المسألة الدينية الكثير من التقاطبات بين عدو محارب، ومتعصب متطرف، وبين من يبحث عن إضافة مستنيرة وفهم صحيح لرسالتها.

وقد اخترنا من خلال هاته المقالة الغوص في بعض أفكار إحدى التوجهات الدينية الإسلامية، التي امتلكت في اعتقادنا فهما خاصا للدين ورؤية أكثر عمقا لرسالته، وهو توجه حضي بالكثير من التحليل والسجال، بين منكر وعدو يعتبر التصوف فكرا بدعيا خرافيا يهدف إلى عزل الدين عن مضامين الحياة، وبين معتبر إياه توجها يحمل فهما متقدما ومتنورا للدين؛ استطاع العديد من رواده إبراز الجوهر الحي للدين والمكسو بالعديد من القيم الإنسانية من : حرية وحب وتسامح.

⁃ من يكن العداء للمتصوفة ؟..

ونحن نطالع الأفكار المعادية للمتصوفة، والمنكرة عليهم فهمهم ورؤيتهم للدين، سنجد بأن هناك ارتباط وثيق بينها وبين أطروحات التوجهات الدينية المتطرفة والمتشددة (السلفية خاصة)، بل تشكل عصب مرجعيتهم الفكرية والإيديولجية.

تنقسم هاته الأفكار بين من تنظر للمتصوفة بعين الخرافيين والمحرفين للدين، وبين من تنظر إليهم بعين الزندقة والكفر، ومن هنا نورد قول ابن الجوزي الذي يعتبر المتصوفة “زنادقة في زي عباد شرهين، ومتشبهة خلعاء لأفعالهم المتنكرة المخالفة للشرع…” (كتاب تلبيس إبليس، ص 115)، ونجد البعض الآخر يصف البعض منهم بالزندقة والكفر، ويثني على آخرين كابن تيمية في كتابه مجموع الفتاوى.

ولهذا نجد بأن العديد من أعلام الصوفية وأقطابها كانوا ضحية فهم ظاهري منغلق للدين فاتهموا بالكفر والزندقة، فمنهم من حورب ومنهم من قتل كابن عربي والحلاج.

⁃ أي رؤية للمتصوفة ؟..

تتجه العديد من الكتابات الغائصة في فكر المتصوفة الأوائل، إلى اعتبار أن المتصوفة الأوائل تملكوا فهما مغايرا للدين، وأنهم استطاعوا إبراز جوهره الحي وقيمه الإنسانية..بل نحن نذهب أبعد من ذلك ونناصر من يرى بأن المتصوفة تملكوا قيم العلمانية؛ فتحدثوا عن العلاقة المباشرة بين الخالق والمخلوق بدون وسيط أو رقيب، تحدثوا عن حرية الضمير والاعتقاد،مجدوا المرأة ووصفوها بكل أوصاف الحب والاحترام، نشروا التسامح بين الأديان وقبول الآخر كيفما كان، وكانوا ضد الاتجار بالدين وجعله مطية لتحقيق أهداف دنيوية ومصالح شخصية، وكانوا أيضا ضد الغلو في الدين والتطرف…وهو ما لا نجده في كثير من التوجهات الإسلامية الأخرى وخاصة السلفية منها.

يقول محي الدين ابن عربي في المرأة “كل مكان لا يؤنث، لا يعول عليه”، ويقول في تسامح الأديان “أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه..فالحب ديني وإيماني..ي ويقول أيضا “لقد صار قلبي قابلا لك صورة..فمرعى لغزلان ودير لرهبان..” ويقول في قبول الآخر “لن تبلغ من الدين..حتى توقر جميع الخلائق..”.

ومن هنا نجد مثلا عبد الرحمان سروش وهو مفكر إيراني مهتم بالمسألة الدينية، يرى “بأن البديل الصوفي أو الوجداني في إعادة إنتاج التجارب الإيحائية أو النبوية في العصر الحاضر وتبقى الأمور ضمن الإطار الشخصي والفرداني للإنسان، ولا دخل للدين في تقويم المؤسسات ولا في إدارة الدولة أو شؤون المجتمع المدني…”(أنظر مقال العلمانية ونظرية سروش، أنور الموسوي،الحوار المتمدن، بتاريخ 17/12/2018).

لقد امتلك المتصوفة الأوائل فلسفة خاصة، متميزين عن غيرهم من رجال الدين وفقهاءه، اتسمت بعمق روحي وفهم أعمق لمضمون الرسالة الدينية وجوهرها الإنساني الحي، وفهما متميزا للكون والإنسان والخالق، جوهرها الحب، مع الأسف لم يأخذ عنهم صوفية الحاضر غير ظاهر الأمر من أحوال وشطحات، ولم يساهموا في تطوير توجه قادر على استيعاب الكثير من المعتقدين بسماحة الرسالة الدينية ومقاصدها، والعاملين على الاجتهاد في فهم سليم لنصوصها.

جواد اتلمساني

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)