كورونا: تضامن اجتماعي من وحي الأزمة

عرف العالم ككل والمجتمع المغربي على الخصوص منذ فترات أزلية أزمات وبائية عدة، فتاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب في القرنين 18 و 19، أبانت بشكل ملحوظ عن مجموعة من الأوبئة، من بينهم الطاعون والكوليرا أو ما عرفت في ذات الحقبة ببوكليب، والتيفوئيد، والجدري… ( تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب، محمد أمين البزاز).

أوبئة التهمت أجساد المغاربة عبر التاريخ وأثرت على البنية الديموغرافية للسكان وعلى سائر الأنظمة الاجتماعية.

تاريخ ماض وحاضر مستقبل مع فيروس جديد أو بالأحرى مستجد، والمتعلق بفيروس “كورونا”، أو كوفيد19، هذا الوباء الذي ظهر لأول مرة بمدينة “ووهان الصينية” ثم لينشر بعد ذلك بباقي بقاع العالم من إيطاليا، إسبانيا، فرنسا ألمانيا… وليسافر كذلك نحو القارة الافريقية بما فيما سائر الدول المغاربية. طبعا هو فيروس ينتظم مع تحولات العالم المعاصر وما أنتجه من تطورات تصيب تارة وتسقط لفترات نتيجة التفريط المهول والتركيز على النماء الاقتصادي قصد عولمة العالم واستنزاف ملاحقيه.

وأمام هذه المواجهة الوبائية التي عرفها العالم، ما يهمنا نحن وبصدد كتابة مقالنا المتواضع، التركيز على المجتمع المغربي على الخصوص، وما واجهه إثر هجوم هاته الحرب البيولوجية.

هنا والآن بدأت تظهر بوادر التضامن والتلاحم بين الشعوب، هل هي بوادر مستجدة؟ طبعا لا هي بوادر منذ الأزل خصوصا والمجتمع المغربي تطبعه قيم التضامن والتعاون في مختلف المجالات الحياتية، لكن ما وقع هو التحول الاجتماعي من المجتمع الزراعي إلى المجتمع الصناعي الحضري هو ما أخفى هذه البوادر التي لا زالت تعاش في المجتمعات القروية كما يعبر عند السوسيولوجي “إميل دوركهايم”، بالمجتمعات الآلية، التي تتميز بنظام واحد ومهام متساوية تحت نفس الظروف إثر التلاحم الاجتماعي الذي يحدثه النظام الزراعي والذي شكل منذ فترات نظام التويزة بين الفلاحين …

يمكن أن نعبر عن هذا التلاحم الاجتماعي إزاء ما أصبحنا نعيشه الآن تحت وطأة الفيروس ونظام الطوارئ الذي قلل من حركية المجتمع أو بالأحرى جمّد قطاعات لم تكمن بالحسبان يوما أنها ستتجمد بفعل الحروب البيولوجية. وأمام هذا التحول المجتمعي يمكن أن نتساءل عن تضامن الدولة من أجل الشعب، والشعب من أجل الشعب نفسه؟

 

تضامن الدولة مع الشعب:

لقد استطاعت الدولة المغربية باتخاذ مجموعة من التدابير الاحترازية والوقائية، هي معايير تحتسب ضمن التضامن المادي من أجل الشعب، وأولها بادرة من نوع خاص تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بإحداث صندوق لمواجهة فيروس كورونا، قصد معالجة التأثيرات السلبية للوباء، ناهيك عن توقيف جل الأنشطة ذات التجمعات، سواء منها الثقافية، الإقتصادية، الدينية… وتعويضها بممارسات عن البعد كالتعليم عن بعد عبر خلق أقسام افتراضية تمكن ربما ليس الكل نظرا لظروفهم الاجتماعية القاهرة التي لم تجعلهم يواكبون هاته المنصة التعليمية، وربما هذا حديث آخر يتعلق بقيمة البعد الاستراتيجي في تمكين أبناء القرى من التعلم عن بعد والذي سنتحدث عنه في لاحق مقالاتنا… إضافة لحملات التحسيس والتوعية عبر لغة الجسد ولغة الإشعار ( بقى فدارك باش تحمي بلادك)، ولغة الوسائل والامكانات المادية للبلاد…
كلها قيم تضامنية أو بالأحرى تدابير إجراءها يبقى ضروريا في مختلف حالات البلاد خصوصا وتدبير الشأن العام والمحلي رهين بقيم التضامن وتحقيق التكافؤ الاجتماعي..

هذا لا ينفى تضامن من نوع آخر في الشعب ذاته من أجل ذات الشعب عبر خلق وحدات للتعاون وتقديم قفات تتكون من مؤونات بسيطة نوعا ما لكن تبقى ضرورية لأسر فقدت عملها إزاء التوقف المفاجئ لها، وكذا قيم المساعدة في استخلاص فواتير الكهرماء، وواجب الكراء الشهري للأسر ذات الدخل المحدود اوذات العمل باليوم ( المياومين)…

 

هنا والآن يمكن القول أن نفوذ المحلي يستثني مكوناته وشروطه، ليستجمع فقط في بؤرة التضامن من أجل الانعتاق الإجتماعي وتخفيف وعكة الوباء، وهذا هو الدرس الأساس والمستخلص من أزمة كورونا، هو العودة للمحلي لا نظام عالمي ولا مثاقفة ولا استيراد ولا تصدير الكل من أجل العودة فقط للأصل، وهذا ما اتفق بشأنه كذلك الدكتور وعالم الاجتماع ” عبد الرحيم العطري”، في إحدى ندواته عن أزمة كورونا حين أشاد بكورونا الواقع والدرس، فالواقع كما الكل يلاحظ من وفيات وأمراض ورقود بالمستشفيات يوما بعد يوم، إضافة لانهيار وشبه انهيار للأنظمة العالمية الكبرى التي لم تسلم من قوتها الجبارة أمام فيروس لا يرى سوى بمجهر متخصص.

والدرس طبعا هو العودة للتضامن وإعادة الإعتبار لما كان مهملا من قطاعات وبحوث علمية جديرة بالاهتمام، وكما أنها درس يعيد الاعتبار للأشياء، لتلك الأشياء المفقودة من لدن المجتمع، لأن السعادة الحقيقية للمجتمع تكمن في سد الفراغ،( رولان بارت)، فرغات التهميش والاقصاء واللاتكافؤ الاجتماعي والمجالي بالأساس، وإعادة الإعتبار للنموذج التنموي الذي لم يتماشى مع ما نادت به الجهوية المتقدمة والموسعة، وإعادة الاعتبار للجان التي تنقصها الكفاءة والقدرة على إنتاج نموذج محلي يقتذى به، هاته الأشياء هي من تعبر عن السعادة الحقيقة للمجتمع.

أخيرا ما يمكننا قوله أن التضامن هو المحرك الأساس في المجتمعات السالكة لطريق النمو لأنه مهما نادت الدولة ومهما قامت به لن تسد أحجام الفقر والتهميش طالما واقع التضامن ملغا، وهذا ما أعادتنا إليه كورونا في تصفية حساباتنا مع التقدم اللامرئي إلى واقع التضامن الذي يسترجع فيه الانسان إنسانيته من وحي الأنانية إلى وحي القيم النبيلة.

بقلم: إيمان ازروال

خريجة ماستر سوسيولوجيا المجال وقضايا التنمية الجهوية

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)