نداء الحماقة

كل الاحداث السياسية والاقتصادية والثقافية وحتى الرياضية التي تقفز للسطح، ما يحدث منها في هذا الوطن أو ما يرد علينا من الجيران، لا تثير فينا سوى المزيد من التعصب والتقوقع وتعميق الشرخ بين الفرقاء المتناحرين فداء للأيديولوجيات العقيمة المشوهة، وموالاة عمياء لرؤوس تيارات معينة صارت أقرب لأصنام تعبد ولا يقبل فيها متبعوها لوما ولا نقدا ولا كلمة سوء.

وليس أفضل للدلالة على هذا الأمر من النظر إلى خبر وفاة الرئيس المصري السابق محمد مرسي في سجنه، حيث لم نزد على أن علقنا على الخبر بالشجار والتطاحن والطعن في أفهام بعضنا وانسانيتهم وقدرتهم على التحليل والتفاعل مع الأحداث، سيل من السباب والشتائم تبادلها يساريو وإسلاميو هذا البلد بلا داعي سوى تلبية نداء الحماقة والنزعة الأقرب لحمية الجاهلية، ولأننا لا نستقي من الوقائع سوى كل سيء ومشين، جاء هذا الحدث ليعزز الانقسام بيننا نحن فقراء الفهم محددو الأفق جاهلو التاريخ، وليفرز المزيد من التيارات والتيارات المضادة ويعمق الهوة بينا أكثر.

حرب طاحنة يخوضها مناصرو الأفكار الإقصائية، ويتمادون في توسيع دائرتها وأطرافها غير ابهين لما نخسره بسببها، ففي الوقت الذي يجب أن يثير هذا الحدث الخوف على مصير بلداننا التي يحكمها الاستبداد، ويجمع الجهود ويوحد الأفهام حول مصيرية السعي لتحقيق الديمقراطية كطريق أوحد لا بديل عنه للحفاظ على سلامة هذه الأوطان وضمان حقوق أهلها على اختلاف مشاربهم، وضرورة السعي لتكريس احترام حقوق الانسان خوفا من الأسوأ، يجلس ثلة من نخبة ومناضلي بلدنا لمحاكمة بعضهم البعض بسبب مواقفهم من رجل ميت.

حال من الرداءة والضحالة والانشغال بالقشور يعافها الفكر والحس، حال تكشف عن أسوأ أمراضنا وتشوهاتنا النفسية المستفحلة، إننا حقا نشبه حكامنا، إقصائيون متعنتون فاشيون عند الضرورة وأوغاد، ولأننا كذلك فسنبقى زمنا طويلا نرزح تحت هذا الليل المظلم الذي يصنعه الفساد الذي سيجوعنا ويعرينا بعد أن يأتي على كرامتنا، لأننا مُدَّعون بائسون نركب النضال والدفاع عن الحقوق مطية ونحمله شعارات دون فهم ولا جرأة على الممارسة، وإلا لكنا جميعا وفرنا هذا الجدال الأيديولوجي السخيف الذي ليس سوى ترفا في بلاد نتفق جميعا على تشخيص علتها.

فأي مستقبل نتطلع إليه ونحن نتقاذف بين الإسلامي الذي يصف اليساري بالشامت اللعين، والليبرالي الذي يرى في الاخواني ’’شيئا‘‘ يستحق التصفية، هذا عدا عن التصنيفات الجديدة داخل التيار الواحد، كل هؤلاء الحمقى الذين يصدعون رؤوسنا بمرجعياتهم التي لا يفهمون منها سوى أنهم عنصر متفوق بيده مفاتيح الرخاء والنهضة، وبعقله أدوات الفهم والتحليل، يؤخرون موعد عبورنا نحو دولة المؤسسات والقانون، ويثبتون أننا شعب قاصر لا يستحق الحرية ولا يمكن أن يعول عليه لقيادة التغيير.

إنه واقع أسود.. كل طرف فيه يدبر خلافاته مع شركاء الغاية والهدف وفقا لمبدأ واحد ووحيد هو الإقصاء، النخبة المزيفة المتناحرة يهمها أن تثبت أنها الأفضل والأصلح في مبارزات دونكيشوتية مثيرة للشفقة، وتؤجل الخوض فيما يقع على عاتقها اتجاه الوطن والتاريخ، بل تتولى القضاء على تنوعها ومصادر قوتها وانتشارها بنفسها، وتشوه الفعل النضالي للأغلبية الصامتة المحايدة، وتوفر على أعداء التغيير تنفيذ هذه المهمة، أزمتنا حقا عميقة.. ويا لفرحة خصومنا بنا!

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)