مصطفى بوكرن يكتب: ما الذي يحتاجه الشباب الملحد؟

مصطفى بوكرن *
يبدو عنوان هذا المقال غريبا، ويسير على المنوال نفسه في الحديث عن: ماذا يحتاجه الشباب المتدين؟. سأوضح بالتحليل، أن دعاة الإلحاد المتطرفين لا يختلفون عن دعاة الدين المتطرفين. فهما معا، وجهان لعملة واحدة، وهما معا، مع مرور الوقت، يتحولون إلى لعبة لها أهداف سياسية، تقنع المجتمع الكئيب أن التناقض الأساس: هو بين الدين والعلمانية، أو الدين والإلحاد. بمعنى، إدخال المجتمع في متاهة الصراع الديني، دون الالتفات، إلى خيراته التي تسرق.
كنت أتابع هذا الشاب الذي يلقب نفسه بهشام نوستيك، ثم التحق به سعيد بنجبلي، بشكل انتحاري. وهذا الشخصان، ابتكرا أسلوب ساخرا، للسخرية من القرآن والسنة والتراث، باستعمال الدارجة المغربية، وخاصة سعيد بنجبلي المتمرس في الخطابة، والذي أعطى للإلحاد نهكة دكالية، وواجه معتقدات المسلمين، بأسلوب “ستانداب”، حيث يقف الكوميدي، ليحكي قصته، مع أمه أو أبيه أو اسرته، ويتحدث عن مسيرة حياته، وهذا الفن يجيده الفنان الكوميدي المثقف محمد باسو، يحكي حياته، ويتحدث عن علاقته بأبيه وزوجته..، لكن سعيد بنجلي خاصة، أدخل المغاربة في خانة لم يألفوها مطلقا، ولم يتخيلوها ولو في أحلامهم. كان يقدم عروض ستانداب حول الله والرسول والملائكة والجنة، وهذا موجود في الغرب، السخرية من المعتقدات، وخاصة قصة بداية الإنسانية.
استطاع أسلوب سعيد بنجبلي، أن يستقطب الكثيرين، وعلى رأسهم مايسة سلامة الناجي، وأثر في الكثير من الشباب، لأن الإضحاك، أسلوب يعشقه الإنسان، ولذلك، يمكن أن تمرر عبر النكتة او فيلم كوميدي، أخطر الأفكار.
وهذا الأسلوب، كان في حلقيات السبعينات اليسارية في الجامعة، يصبح الله مادة للتهكم، فتمجمع الناس لإضحاكهم، لكنك تمرر ما تريد، ولو عرضت الفكرة بأسلوب جامد، لرفضها الناس. وهذا الأسلوب يتقنه المصريون، وظهر بجلاء في محاضرة السيد القيمني، حين تمت دعوته لمحاضرة بعنوان: “الله ودولة الإسلام”، من تنظيم مؤسسة تابعة لحزب الأصالة والمعاصرة، سنة 2015. كان القمني، يسرق الكثير من الضحكات، من الجمهور المغربي المتابع، إلى درجة القهقهة، يتحدث عن الله، مثل حديثه عن أي إنسان، حيث ينزله من السماء إلى الأرض، ويتحاور معه.
وهذا أمر معروف في الرواية العالمية، فمثل الروائي جوزيه سراماغو الملحد، أصدر رواية عن الإنجيل يرويه المسيح، معتمدا في أسلوبه في التهكم، سنة 1991، فواجهت الكنيسة الكاثوليكية، وأنه يثير الفتنة في المجتمع البرتغالي المحافظ، فاضطر للذهاب والعيش مع زوجته في إحدى جزر الكناري.
وقد وقع حدث كبير في الأردن، سنة 2018، بسبب عنوان بحثي مدرج في ندوة دولية من تنظيم مؤسسة مؤمنون بلاحدود، للباحث الاردني، معاذ بني أبي عامر، وعنوان البحث: “التاريخ الشعبي لولادة الله”. استثمر برلمانيون هذا الحدث، وهاجموا المؤتمر، فمنعت السلطة المؤتمر، وتطورت الأحداث، حيث قاد مدير المؤسسة يونس قنديل إنزالا احتجاجيا، تطور الأمر معه، إلى اتهام إسلاميين بالهجوم على يونس، وأظهر ظهره به أثار تعذيب، ليتضح في الحقيقة، أن ما قام به يونس مجرد مسرحية!
الخيط الناظم الذي يجمع بين هذه الوقائع، أن موضوعة “الله والآلهة” وضعت كمادة للبحث والمواجهة والتهكم منذ الإليادة والأوديسة في الزمن اليوناني. لكن السؤال، في سياق ربطه بالشباب المغربي، والذي يعيش ضمن ثقافة مجتمعية معينة، هو: إذا كان من حق الإنسان أن يعتقد ما يشاء، فكيف له أن يعيش ضمن مجتمعه، ويحافظ على نفسه والمحيطين به، دون تمزقات اجتماعية انتحارية؟.
هناك فئة من الشباب المتحمس، والمراهق خاصة، والذي من طبائعه النفسية التمرد، تستهويها موضوعة “الله”، للصدام مع المجتمع، وإظهار الشجاعة والتميز. وهذه الحالة، هي نفسه التي يعيشه المتطرف الديني، ما يمسى “بالتعالي الشعوري”، كما نظر لذلك سيد قطب في كتابه معالم في الطريق.
المتطرف في الإلحاد والمتطرف في التدين، يعيشان الحالة النفسة نفسها، أنهم في تعال عن المجتمع، فالأول يعتبر مجتمعه خرافيا، والثاني يعتبر مجتمعه جاهليا، وهما معا بضاعة مهمة، للداعية الملحد المتطرف، والداعية الديني المتطرف. هذا الخطابان، لا يقبلان التفاوض مع المجتمع وأعرافه وعاداته وطقوسه، لأن لهم نفسية حدية.
وهذا الذي وقع للصديق العزيز سعيد بنجبلي، الذي أسسنا معه جمعية المدونين المغاربة في 2008، وجمعتنا لقاءات مطولة جدا. بسبب تحولاته الفكرية والنفسية ضحى بأسرته الصغيرة، واختار الطلاق، من أجل يعيش في مجتمع آخر. والعيش في أمريكا ساعده على ذلك. وما قام به سعيد، قام به الكثيرون من الشباب المتطرفين الدينيين، هاجروا أسرهم والحياة كلها، والتحقوا بسوريا، للذهاب إلى الجنة بأقصى سرعة.
التفكير في الله بالإثبات أو النفي، فيه متعة نفسية، فالمؤمن يعيش المحبة الإلهية، والملحد يشعر بأنه سيد نفسه، ولم يسلم نفسه لأحد. لكن التطرف في الاتجاهين نتائجه كارثية.
فكما، قلنا أن المتدين، يحتاج أن يفقه واقع مجتمعه الحالي، وأن يستوعب طبيعة الدولة الحديثة، وأن يدرك طبيعة دولته المخزنية، لكي لا يتحول إلى قنبلة، فكذلك الملحد، يحتاج أن يفهم ثقافة مجتمعه وأعرفه الراسخة، وإلا سيكون عرضة، لقتل مفاجئ، أو اعتداء متهور، أو الإتيان به إلى السجن.
المتدين المتطرف، والملحد المتطرف، هما ضد المجتمع القائم، ويريدان تفكيكه، لتأسيس جماعات موازية له. ولذلك، في رمضان الملحد المتطرف يبحث عن جماعته التي تؤنسه في انتهاء حرمة رمضان، والمتدين المتطرف، يرفض الإفطار بعد بلده المغرب، لأنه يشك في دولته، ويصلي صلاة العيد في غابة مع جماعته، اقتداء بالمملكة العربية السعودية.
الذي ينبغي أن يدرك الشباب الملحد، أنه يمكن أن يكون ملحدا، دون أن يعلم بذلك أحد، ويدخل في معاركه مع الله، دون أن يتدخل شخص لفك النزاع، ولكنه يحب مجتمعه وأسرته، ويحترم الشعائر الدينية، فلا يسخر من رمضان، ويصومه، ولا يسخر من العيد ويحتفل به، ليظل في انسجام تام مع مجتمعه، وقد يذهب أحيانا للصلاة. لان ما يعيشه، لا يعرف أحد، هي شكوك دينية في عقله، الزمن هو الذي سيحسمها، وليس المناقشات الكلامية، التي لا يحسمه العقل المحدود.
وهذا أيضا، ينطبق على المتدين، عليه أن يميز بين الحكم ومنهج التعامل. فحكم في الخمر في الإسلام حرام. وهذا المتدين أبوه شارب الخمر. نعم، لا نطلب من المتدين، أن يقتنع بأن الخمر حلال، بل يستمر في الاقتناع بحرمته، ولكن السؤال، هو في منهج التعامل: كيف ستتعامل مع أب سكير؟ كيف ستتعامل مع أختك المتبرجة؟ كيف ستتعامل مع خالتك الشيخة؟، هل سترفض الجميع، وتحمل سجادتك وتلتحق بالجبل؟. هذه قاعدة معلومة: “التمييز بين الحكم الشرعي، ومنهج التعامل”. أبوك السكير، لا يلزم منه العقوق!
إذن، هناك سلطة المجتمع وأعرافه وعاداته، يجب أن تتحترم ويتعامل معها بذكاء، والمواجهة تعني الانتحار.
ليعتقد الجميع ما يشاء، لكن وحدة المجتمع والدولة خط أحمر. ويتحد الجميع في معركة هي ضد البطالة والجوع..
ويجب الحذر من دعاة التطرف من الجانبين فهما يؤجلان تقدمنا الحقيقي..
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)