حكاية بطلة ابتلعها البحر في رحلة البحث عن علاج السرطان في بلاد “الطليان”

 

تونس، إدريس العولة

 

التحفت مدينة المهدية الجميلة السواد، وخيم الحزن والأسى على وجوه ساكنتها، أسفا وحزنا على فراق بطلة شابة لطالما امتعت جمهور كرة اليد بهذه البلدة الهادئة المطلة على البحر الأبيض، بلمساتها الفنية وأهدافها الرائعة التي كانت تلهب حماس عشاق الكرة الصغيرة.

 

و ظلت البطلة لمدة طويلة تتفانى في الدفاع عن قميص فريقها بكل وفاء وإخلاص خلال البطولة التونسية لكرة اليد.

 

تميزت الراحلة بأخلاقها العالية، وخفة دمها وجمالها الطبيعي الأخاذ، وموهبتها الكبيرة في مداعبة الكرة الصغيرة، تميزت أيضا بقدفاتها القوية التي كانت ترعب حارسات مرمى خصومها، قبل أن تنهار أمام قدفات البحر الأبيض المتوسط الذي رمى بها جثة هامدة مساء يوم الأحد الأخير لما كانت في رحلة البحث عن العلاج من داء السرطان الخبيث عند بلاد “الطاليان ” رفقة شقيقها عبر قارب للموت و8 تونسيين آخرين من جيرانها كانوا يبحثون عن حياة أفضل بالضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط.

 

 

الفقيدة تدعى”أنس الزوالي” وتبلغ من العمر حوالي 26 سنة حاصلة على الإجازة الأساسية في شعبة الرياضة، وكانت تمني النفس أن تصبح أستاذة للتربية البدنية، فتبخرت كل أحلامها في بلاد ثورة الياسمين، لما أبى محرك القارب أن يتوقف في منتصف الرحلة ويفسح المجال لأمواج البحر العاتية أن تفعل ما تشاء بركابه، قبل أن تتخلص منهم جثث هامدة بالشاطىء.

 

غرق”أنس الزوالي” يغطي على أشغال القمة العربية بتونس الخضراء

 

كانت الساعة تشير إلى الثامنة ليلا من يوم الأحد الأخير، سائق سيارة الأجرة الصغيرة يقود” كهربته”، كما يحلو للتونسيين تسميتها، وعلامات الغضب تظهر على محياه.

 

حركة السير مختنقة ومضطربة في تلك اللحظات، لا صوت يعلو على أصوات منبهات السيارات، وصافرات شرطة المرور التي كانت منهمكة في فسح المجال أمام مواكب الوفود العربية التي كانت تتقاطر على العاصمة للمشاركة في القمة العربية.

 

الحواجز الحديدية والقضائية تصادفك أينما رحلت وارتحلت، داخل العاصمة التونسية، و خاصة تلك المؤدية لمطار قرطاج الدولي، سيدة في المقعد الخلفي “للطاكسي” تبدو في عقدها الرابع تتحدث بحرقة وهي تجفف دموعها بمنديل ورقي وتسارع الزمن من أجل الوصول إلى المحطة الطرقية لركوب الحافلة صوب مدينة المحمدية لتقديم العزاء لجيرانها الذين فقدوا أهاليهم في عرض البحر الأبيض المتوسط بحثا عن غد أفضل.

 

خيم السكوت داخل السيارة، ضغط السائق على الزر أوقف تشغيل المذياع، أخرجت السيدة هاتفها النقال من حقيبتها اليدوية، والدموع تنهمر من عينيها وهي تنظر بإمعان لصورة الراحلة “أنس الزوالي” وهي تبكي وتنوح تبللت شاشة الهاتف بالدموع، أخرجت منديلا ورقيا من جيبها جففت الشاشة بلطف و ببطء وكأنها تخشى أن تنمحي صورة الشابة “أنس الزوالي” من الشاشة وانطلقت في سرد حكاية هذه الشابة الجميلة التي فضلت أن تركب أمواج البحر رفقة شقيقها الأصغر بحثا عن العلاج من السرطان.

 

فجأة توقفت سيارة الأجرة نزلت السيدة مسرعة نحو المحطة الطرقية، تمنيت لو رافقتها إلى مدينة المهدية لتقديم العزاء إلى عائلة “انس” وباقي الأسر التي فقدت أهاليها في عرض البحر في تلك الرحلة المشؤومة التي ستبقى راسخة في أذهان التونسيين.

 

واصلت “الكهربة” المسير، شرع السائق في توجيه انتقادات لاذعة للقمة العربية التي لا يرجى منها خيرا لبلاده، قبل أن ينتقل إلى موضوع آخر وينطلق في توجيه اللعنة إلى قادة ثورة الياسمين التي كانت سببا في إرجاع البلاد إلى سنوات طويلة إلى الوراء وفق تعبيره، ثم الحنين إلى زمان الراحل “الحبيب بورقيبة” والرئيس المخلوع “زين العابدين بنعلي” أين كانت تونس تعيش أزهى وأبهى أيامها.

 

تذكرت حينها تلك القولة الشهيرة لحكيم الثورة التونسية “احمد الحفناوي” “هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية” تذكرت ما حكاه لي بعض التونسيين عن الحياة في هذا البلد قبل وبعد الثورة، تذكرت مشهد “البوعزيزي” والنيران تلتهم جسده.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)