يوميات في حضرة الشوافة -13-

وصلت إلى ملعب “الزويتينة” في الوقت المحدد، يبدو أن المقابلة التي ستجمع بين فريق الخضارين والجزارين سيتأخر موعد انطلاقها، لكون أن المقابلة التي سبقت كانت تندرج ضمن إحدى دوريات الأحياء، وأنها إنتهت بالتعادل في وقتها الأصلي، وأنه من الضروري أن يلجأ الفريقان إلى الأشواط الإضافية وفي حالة التعادل سيحتكمان إلى الضربات الترجيحية لتحديد الفريق الذي يلعب نهاية الدوري.

 

ارتدينا ملابسنا داخل سيارة نفعية، “بيكوب” تعود ملكيتها لمدرب فريق الخضارين، وقبل الدخول في الاحماءات، طالب المدرب من اللاعبين جمع مبلغ 50 درهم، وهو المبلغ الذي يجب على كل فريق دفعه والتباري عليه من قبل الفريقين.

 

انتهت المقابلة بانتصار صعب لفريق الخضارين بنتيجة هدفين مقابل هدف واحد، وساهمت بشكل كبير في هذا الفوز وخاصة أنني كنت أرتاح جيدا لما أخوض مباراة بملعب “الزويتينة” عكس باقي الملاعب الأخرى بمدينة مكناس، دون أن أنسى طبعا ملعب الخطاطيف الذي تعلمت فيه أولى مبادىء التصدي للقذفات القوية الصاروخية لألمع نجوم الكرة المكناسبة.

 

غادرت ملعب “الزويتية” وتوجهت إلى ساحة الهديم، شعرت بالجوع، دخلت باب منصور لعلج التاريخي، أدخنة “الصوصيط” تتعالى في سماء ساحة للالة عودة، عرجت نحو بائع “الصوصيط” الذي تعودت الأكل عنده، تناولت خبزتين مملوءتين ب “الصوصيط” ثمن الواحدة درهم واحد، أقترب موعد آذان المغرب، عدت إلى ساحة الهديم في إنتظار الحافلة رقم 2 الذي تقلني نحو حي برج مولاي عمر.

 

وصلت إلى السكة الحديدية، جلست بجانب العمود الكهربائي الذي تعودت فيه لعب “القمار” مع أصدقاء الحي، فجأة وصل “حميد” وهو شاب يعاني من مرض عقلي، فالجميع في الحي يعرف “حميد” ويعرف تصرفاته الغريبة والطريفة، أخبرني أن لديه 20 درهما وأنه يرغب في شراء قنينة من الخمر لأنه يريد أن يشرب هذه الليلة ويروع سكان الحي يسب ويشتم الناس كما يفعل السكارى في حينا.

 

أعرف “حميد ” أنه لم يشرب الخمر ولم يدخن يوما، ولا يفرق حتى بين الخمر ومشروبات أخرى، أخذت منه المبلغ وطلبت منه أن ينتظرني هنا بجانب العمود الكهربائي حتى أحضر له ما يشاء.

 

بحثت عن قنينة بلاستيكية للخمر الأحمر “الفراكة” ، غسلتها توجهت نحو البقال اشتريت قارورة “مونادا” لم يعتاد “حميد” على شربها واحتفظت بالمبلغ الباقي في جيبي، أفرغت “المونادا” في قارورة البلاستيك غلفتها بورق جريدة كما يفعل بائع الخمور وضعتها تحت ملابسي كما يفعل السكارى، وعدت إلى “حميد” وجدته ينتظرني، طلبت منه أن يحضر كأس حياتي، لأنني أود أن أشرب معه، بدأت أسقيه حتى إنتهت القارورة.

 

صار “حميد” سكرانا، لم يقو على النهوض ساعدته في ذلك، وما أن دخلنا إلى بوابة الحي حتى شرع في سب وشتم الجميع، اجتمع الناس من حولنا توجهنا نحو ساحة المسجد أين يجتمع غالبية ساكنة الحي، زاد “حميد”من صراخه يلعن ويسب ويقلد بعض سكارى الحي، وأنا أحاول أن أهدأ من روعته، يسقط أحيانا أساعده على النهوض كان الجميع يضحك، فيما كان البعض يزيد من هيجانه من خلال سبه ووصفه بالسكير، فيما آخرون يشككون في شربه الخمر فقط أنه يتظاهر، وبعد أزيد من ساعة من “العربدة” جلس “حميد” على الطوار لإسترجاع أنفاسه قصد الإستمرار في “عربدته” تجمع حولنا بعض الأطفال أدركوا أن “حميد” غير سكران فقط أنه يتظاهر، أخبروه أنني نصبت عليه، وأن ما شربه ليس خمرا، فجأة صحى “حميد” وشرع في سبي وشتمي أمام الجميع وأنا أكاد أنفجر من الضحك، فأنا أعرف “حميد” ليس بعنيف ويخاف الدخول في معركة مع أي أحد ولو كان أصغر منه، فإنه يتقن فقط كل أنواع السب والشتم، فقط كنا نحتاط من ركلاته لما كان يبدأ الإمام في الصلاة إذ كان “حميد” يستغل هذه الفرصة لتوجيه ضرباته لبعضنا وينسحب قبل أن تنتهي الصلاة، إذ كان المصلون يمنعونه من الصلاة في المسجد بالنظر إلى ما يخلقه من ضجيج أثناء الصلاة.

 

ولم يبق من خيار أمامي، بعد انكشاف أمري سوى أن أرد مبلغ 20 درهما لصاحبها “حميد” لأنني أعرف أنه سيتوجه إلى منزلنا ويوقظ والدي من النوم ويخبره بالأمر حينها سأتعرض لعقوبة قاسية.
يتبع

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)