يوميات في حضرة الشوافة -4-

كانت “الشريفة” وخادمتها تتناولان وجبة الغذاء في وقت متأخر، إلى حين الإنتهاء من عملها ومغادرة كل الزبائن لبيتها، وحصل أن طلبت مني ذلك اليوم “الشريفة” أن أشاركها وجبة الغذاء رفقة خادمتها “الزهرة” عكس الأيام الماضية التي كنت أتناول فيها وجبتي منفردا ، سررت كثيرا بهذه الدعوة، رغم أنني كنت أود الذهاب إلى السينما لمشاهدة فيلم هندي يحمل عنوان “انتقام حية” بعد ما منحتني زبونة في ذلك الصباح تشتغل مضيفة “placeuse” بإحدى القاعات السينمائية تذكرة دخول، فقررت تأجيل مشاهدة الفيلم حتى الفترة الليلية، واخترت تناول الوجبة مع مشغلتي ، لأنني كنت أعرف مسبقا أن الوجبة ستكون شهية، وأن الديك البلدي الأسود الذي أتت به المرأة البدوية وذبحته بيدي صار جاهزا للافتراس، تفننت في تحضيره خادمة صغيرة تتقن كل صنوف الطبخ وتحضير الحلويات أيضا، كما كانت تحدوني رغبة أكيدة للتعرف أكثر على شخصية مشغلتي وخادمتها، والتعرف أيضا على أسرار ذلك الرياض المترامي الأطراف وسط عبق تاريخ المدينة العتيقة للعاصمة الإسماعيلية مكناس.

 

تخلصت “الشريفة” من تلك العباءة الخضراء الفضفاضة التي كانت ترتديها أثناء استقبالها لزبوناتها وتخلصت من المنديل المزركش التي كانت تضعه على رأسها والمعصم الذي تلفه على جبينها، ارتدت قفطانا ذهبيا يتوسطه حزاما حريريا، أطلقت شعرها الأصفر الذي تتخلله بعض الشعيرات البيضاء والرمادية، “كحلت وسوكت” صارت “الشريفة” امرأة أنيقة وكأنها تستعد لوليمة أو حفل زفاف ، أمرت الخادمة “زهرة” أن تجهز الغذاء تحت شجرة التوت التي كانت تتوسط فناء الرياض الشاسع ، أخبرتني من بعد أنها ورثته عن أبيها وأنه صار في ملكها بعدما قامت بإعطاء كل وريث نصيبه، وعلمت منها أيضا أثناء عملية افتراس الديك البلدي، أنها تزوجت منذ كان عمرها 14 سنة، وأنها أرملة منذ عشرة سنوات وأن زوجها توفي في حادثة سير، وأنها تلقت مبالغ مهمة بعد وفاته، ولا زالت تتلقى مبلغا شهريا من الإدارة التي كان يشتغل بها زوجها قيد حياته، وأن العديد من الرجال طلبوا يدها للزواج ورفضت ذلك، وقالت لي أن لها ثلاثة أبناء ذكور يعيشون في مدن أخرى رفقة أبناءهم وأنهم يرفضون زيارتها في بيتها منذ أن طلبوا منها أن تتوقف عن العمل الذي تقوم به، باستثناء ابنتها التي تعيش في الخارج هي التي لا زالت تزورها باستمرار.

 

بعد الإنتهاء من وجبة الغذاء، نهضت “الشريفة” من مكانها وتوجهت إلى بيتها لتتمدد قليلا كما اعتادت على ذلك، فيما قامت “زهرة” بجمع الأواني وإدخالها إلى المطبخ ساعدتها في ذلك، ساعدتها أيضا في إدخال الزربية الكبيرة التي كانت منشورة في فناء الرياض، شعرت بإحساس غريب وجميل في آن واحد، وأنا أقدم خدماتي للخادمة الصغيرة، كانت تبدو خجولة جدا، رغم أن نظراتها توحي بأنها ترغب في الكلام، فتحت الدولاب أعطتني قطعة حلوى “شباكية” أخبرتني أنها من حضرتها.

 

غادرت منزل “الشريفة” وأنا أفكر في الخادمة “زهرة” في إتجاه ساحة الضريح الشيخ الكامل لمتابعة “الحلايقية” لتمضية الوقت في إنتظار وصول موعد دخول قاعة السينما للاستمتاع بفيلم “انتقام حية”.

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)