ظننتك من أهلي …  

 

 

عندما نقهر  … عندما تضيق أنفسنا و يصير ثقل الهم على أكتافنا كثقل الجبال أو حتى عندما نجد نفسنا في موقف لا نحسد عليه  ..  عادة بفطرتنا و لا حتى بسابق ترتيب أو تفكير، نلجأ لمن نلمس فيه الملاذ و الحضن الدافىء الآمن من جور الحياة و الأقدار، لمن نحن متأكدون جدا أنهم لن يتركوا ظهورنا عرضة لسهام الأغراب و الدنيا … بإختصار أو بصيغة أخرى  نلجأ لمن نظنهم من أهلنا … 

 

وهناك أهل تربط بيننا و بينهم قرابة الجينات الوراثية و هناك أهل تربط بيننا و بينهم أشياء أخرى … و الأهل في عرف الشهامة … الأخلاق و النخوة لا يفرطون في أهلهم مهما كلفهم الأمر … 

 

لكن هل هو كذلك الواقع مع كل الأهل و مع كل واحد ظننا فيه ذلك حتى لو لم تجمعنا به صلة دم ؟

 

 إننا سنلجأ إليه حين الضعف و نتوسم فيه الإستعانه به على مكابدة الصعاب … ‪دون خوف من الغدر‬ أو حتى الشك القبلي  في فعل التخلي — 

 

قديما عندما كان أهل لسان الضاد  يقيمون أفراحهم و ولائمهم، كانوا يوزعون على الحضور قطع اللحم بلفها في الخبز، لكي لا يري أحد ما بداخلها ، فإذا وجد صاحب الفرح أن عدد الحضور يفوق عدد قطع اللحم لديه أو يخشى أن يحدث ذلك، يقوم بلف الخبز دون لحم ويوزعه على أقرب الأقربين إليه ممن يعتقد أنهم سيسترون عليه لكي يوفر اللحم للغرباء .

 

فذات مرة أقام أحدهم عرسا و وزع قطعا من الخبز بلا لحم على عدد من أقربائه وأصدقائه ، فبدأو بأكلها وكأنها تحتوي علي اللحم ، ما عدا واحدا فتح الخبز و نادى على صاحب البيت أمام الملأ  وقال له : ‪’‬ يا أبا فلان‪ ‬الخبز دون لحم‪‘‬ فرد عليه صاحب البيت :‪’‬ عذراً فقد ظننتك من أهلي‪  .‘‬

 

 فالأهل  سواءا تشاركنا معهم الدم أم لا في عرف الروح  هم العنصر الذي يقف سدا منيعا يحمينا من الضرر و الفضيحة على رؤوس الأشهاد و الذين يعول عليهم وقت الحاجة … هؤلاء يكون العشم فيهم هو ذلك الأمل الذي قطعا لا يجوز له أن يكسر‪ ‬و لا حتى له أن يخدش على صخورالخذلان  … 

 

تغير الواقع، و حال الدنيا صار غير الحال الذي كان، و لم يعد معظم الأهل أهلا، و لم يظلوا حتى ذلك السند الصوري الذي يقي  كرامتنا مجازا حين السقوط و الإنهيار أمام الأخرين … فالكل أصبح على دراية أن أول من سينهش في لحمنا قد يكون من بطانتنا… ولا كل أصدقائنا هم أوفياء كذلك … إلا من وضع ربنا في جنانه مروءة كاملة صلبة لا تسقط و لا تتهوى إحدى جزيئاتها عند أول عثرة … 

 

في عصرنا صار الواحد منا مجبرا أن يفكر مسبقا على من سيستند وقت الوهن و عليه أن يميز جيدا و يخطط بإحكام لمن سيترك ظهره بلا وقاية و بلا ستر … 

 

قد يكون الحديث عن كل هذا و ذاك سهلا لكن، مواقف الترك صعبة جدا و انعكاساتها سلبية للغاية … فلا أذاقكم الله طعم الغلول والنكث ..  فمذاقهما مر مرارة العلقم، بل أكثر . 

 

لذلك ف ليميز جيدا لمن يعطي كل واحد منا خبزه دون لحم و لمن يدر ظهره وهو مكشوف … ولمن يسلم ماء وجهه … فالبعض من حاشيتنا لا هم أعداء ينازلوننا بشرف ولا هم أهل يصلون ودنا بحق و عن صدق .  

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)