يوميات في حضرة الشوافة -15-

دخل الفلاح عند “الشريفة” طلبتني أن أدخل معه، كانت أول مرة أحضر فيها حصة تشخيصية لأحد زبناءها، حيث كنت أكتفي بإشعال “المجمر” ورش البخور واستقبال الزبونات ومراقبتهن أثناء قفزهن على السلاسل النحاسية والأقفال وبعض الخدمات الأخرى من قبيل مساعدة الخادمة في نشر زرابي بيت الضيوف و نفضها من الغبار وحمل القفة من عند الخضار وإيصال السلاسل والأقفال إلى “الدروكري”.

 

أخبر الفلاح “الشريفة” أنه جاء يبحث عنها، من أجل مساعدته لإيجاد قطيع الماشية الذي سرق منه ليلة أول أمس من منزله، 10 خراف و 5 نعاج، وما أن أنهى كلامه، حتى أمسكت “الشريفة” بيده وطلبت منه أن يغمض عينه، وشرعت في ترديد همهمات وكلمات غير مفهومة، قالت له أن قطيع ماشيتك تمت سرقته من قبل شخصين أحدهما نحيف والآخر سمين، وأنه عليك التوجه باكرا إلى سوق الأربعاء بمدينة مكناس سوف تجد ماشيتك تباع هناك.

 

قبل الفلاح رأس “الشريفة” ، وأدخل يده في صدره أخرج ورقة من فئة 50 درهما ومنحها “للشريفة” ثم غادر.

عدت إلى قاعة الإنتظار أرتب أمور إستقبال الزبونات، دخلت سيدة تبدو في عقدها الرابع كانت ترافقها شابة في مقتبل العمر، أخبرتني والدموع تنهمر من عينيها أن التي معها ابنتها وأنه يسكنها” جني” منذ عدة سنوات وأنها ترددت على مجموعة من الأولياء الصالحين والأضرحة و العرافات بحثا عن العلاج دون جدوى، إلى أن أوصتها إحدى جاراتها بزيارة “الشريفة” لأن “يدها مزيانة” وتمكنت من علاج عدة حالات متشابهة.

 

وحكت لي أيضا أن هذا الجني يدخل جسد ابنتها ليلا حيث تشعر بالاختناق وارتفاع في درجة الحرارة ولا تتوقف عن الصراخ وندب وجهها حتى موعد الفجر لما يغادر الجني جسدها، تألمت كثيرا لحال تلك الشابة التي كانت تبدو آثار الندوب واضحة على محياها، تحملق بعينها داخل قاعة الإنتظار دون أن تنطق بكلمة واحدة وعلامة الخوف بادية على وجهها، وأخبرتني والدتها أن السبب الذي جعل الجني يسكن جسد ابنتها، أنها قامت ذات ليلة مظلمة من إفراغ الماء الساخن في مجرى واد الحار.

 

تذكرت حينها بعض الأفعال التي علينا تجنبها للنجاة بجلدنا من مس الجن، من قبيل الحديث أثناء دخول المرحاض وضرب القطط والكلاب السوداء وإفراغ الماء الساخن في قنوات الصرف الصحي، وغيرها من المسببات الأخرى التي تشكل عاملا مباشرا في إصابة الناس بمس الجن.

 

تذكرت تلك الحكاية التي كنا نسمعها ونحن صغار عن كون أن طائر اللقلاق كان إنسانا ومسخه الله لأنه توضأ باللبن، وأن عدم إنجاب البغلة أنها أسقطت يوما من فوقها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه دعا لها بالعقم وغيرها من الحكايات الأخرى التي كنا نسمعها من الكبار.
يتبع

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)