مشروع قانون 22.20.. قانون قمع أم قمع قانون

 

مصطفى وعدود*

تداولت مواقع التواصل الاجتماعي -في الفترة الأخيرة- موضوع تسريب مسودة مشروع قانون 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البت المفتوح والشبكات المماثلة، وبغض النظر عن صحة التسريبات من عدمها، عبر الجميع عن استيائه وسخطه من قانون أقل ما يقال عنه هو أنه انتهاك لحق من حقوق الانسان.

فهل أصبح مصطلح “حريّة التعبير” مجرّد شعارٍ “رنّان” يزين دستورنا، ونتغنّى به في المحافل الدوليّة، في حين تتجه القوانين العادية في تسابق من أجل خنق أصوات المواطنين والضرب بقبضة من حديد على كل الممارسة الفكرية الانتقادية.

وهل يفرض مفهوم “الأمن الاقتصادي لزمن ما بعد كورونا” محاربة شتى أشكال التعبير عن الرأي ومهاجمة المنتوجات، من أجل ضمان استقرار وإعادة بناء اقتصاد الدولة، بتغليب مصلحة المنتجين والفاعلين الاقتصاديين على مصلحة المستهلك والمواطن بصفة عامة.

 

فبين السؤال وجاوبه، يتجلى من بعيد أن مضمون هذ القانون سيؤدي حتما إلى احتدام التضارب بين مصلحة ترى فيها الدولة السبيل إلى تحقيق أمن اقتصادي، ومصلحة المواطن، الذي بات حقه -في التعبير عن رأيه- مهددا بالزوال.

 

أما بقراءتنا لمقتضيات هذا المشروع، خاصة المادة 14 و15 منه، التي تطرق فيها المشرع إلى فكرة الدعوة إلى مقاطعة بعض المنتوجات أو البضائع أو الخدمات أو التحريض علانية على ذلك، أو حمل العموم على سحب الأموال من مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبر في حكمها، والتي قرر لها عقوبات حبسية تتراوح ما بين ستة أشهر و ثلاث سنوات، وغرامات مالية تتراوح ما بين 5000 و50000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين؛ فإن أول ما يطالعنا هو أن العقوبة منصبة على فعل الدعوة أو التحريض على المقاطعة أكثر مما قد تكون منصبة على فعل المقاطعة بحد ذاته، زد على ذلك أن العقوبة المقررة لفعل الدعوة أو التحريض على المقاطعة أكثر من العقوبة المقررة للتحريض على الجنايات والجنح إذا لم يكن للتحريض مفعول فيما بعد بطبيعة الحال، بحيث يعاقب المشرع الجنائي كل من حرض مباشرة شخصا أو عدة أشخاص على ارتكاب جناية أو جنحة بواسطة الخطب أو الصياح أو التهديدات المفوه بها في الأماكن والتجمعات العمومية أو بواسطة الملصقات المعروضة على أنظار العموم أو بواسطة كل وسيلة تحقق شرط العلنية بما فيها الوسائل الإلكترونية والورقية والسمعية البصرية، بعقوبة حبسية تتراوح ما بين ثالثة أشهر وسنة.

 

فهل وصل فعل التحريض أو الدعوة إلى المقاطعة درجة من البشاعة جعلته أكثر خطورة من التحريض على ارتكاب جناية؟ وإذا كانت هذه عقوبة التحريض على المقاطعة فماذا ستكون عقوبة المقاطعة بحد ذاتها؟

 

ولا يخفى أن هذه الأخيرة – أي المقاطعة- إلى جانب الدعاية المضادة، كانت تشكل بالأمس القريب وسائلا حمائية لفئة المستهلكين، وأساليب تحسيسية وتوعوية تنهجها الهيئات المعنية بحماية المستهلك، فأي دور توعوي وتحسيسي يبقى لهذه الأخيرة، طالما أن هذا المشروع يروم اجهاض كل محاولة في مهدها قبل انقشاع مفعولها.

 

إن هذا مشروع هذا القانون الذي لم يرى النور بعد، من شأنه أن يذهب بنور حق من حقوق الانسان وتركه في ظلمات القمع والترهيب عامه، فبقدر ما يروم هذا القانون قمع الرأي، فهو قمع للقانون أولا، طالما أن هذا الأخير -ومن خلال الدستور كأسمى قانون- هو أساس الاعتراف للمواطن بحقه في حرية التعبير ( الفصل 25 من دستور المملكة)، بالإضافة إلى القيمة والأهمية التي يعترف له بها المنتظم الدولي، كما جاء في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على أن “لكلِّ شخصٍ حقُّ التمتُّع بحرِّيّة الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقةٍ، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلةٍ ودونما اعتبارٍ للحدود”، وكما يقول جورج واشنطن “إذا سُلبنا حريّة التعبير عن الرأي نصبح مثل الدابّة البكماء التي تُقاد إلى المسلخ”.

طالب باحث بماستر الدراسات القانونية المدنية، كلية الحقوق، جامعة القاضي عياض.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)