وجدة..جنازة مدينة 

التقيت أخيرا بالعديد من الأشخاص العائدين من العطلة السنوية، وبالخصوص الذين قصدوا مدن الشمال الرئيسية. العديد منهم انخرطوا في مقارنات مع واقع وجدة، حتى من دون سياق أو مبرر لاعمال هذه المقارنة، وهو ما يؤكد في الواقع حسرة و ألم يعتصر هؤلاء لحال مدينتهم، مدينة الألفية.

دون الخوض في الملاحظات التي يمكن إبداؤها على “العرض” السياحي في مدن الشمال، و حتى على بعض الوجهات السياحية الأخرى في جنوب  البلاد، والذي يبقى عرض ينقصه الكثير وتعتريه اختلالات كبيرة، فإن وجه المقارنة في الحقيقة إنصب على واقع البنية التحتية.

كل الذين صادفتهم ينبهرون لما أصبح عليه الوضع في طرقات وشوارع طنجة وتطوان، وحتى الحسيمة و الناظور. الشوارع أو على الأقل المحاور الرئيسية المهمة التي تمثل وجه المدينة معبدة و منظمة، و أكثر من ذلك نالت حظها من المساحات الخضراء، ومن الإنارة العمومية التي تليق بها.

هذا دون الحديث عن واقع البنايات والمصالح الجماعية و المصالح الخارجية الأخرى، وكيف أن الزائر يشعر بوجود الحياة في هذه المرافق، عكس ما يحدث اليوم في وجدة.

في وجدة الطرقات وبدون استثناء أضحت في وضعية يرثى لها، ومن مستملحات التهيئة الحضرية في هذه المدينة أن يحشد رئيس المجلس الدعم من عدة شركاء ليتمكن من إصلاح أو إعادة تعبيد مدارة الجامعة، ويقدم بعد ذلك على أنه إنجاز تاريخي!

جل الطرقات، حتى التي قال بعض المتابعين في ملف جرائم الأموال عند محاكمتهم أمام محكمة الاستئناف بالرباط، بأنها لازلت في وضعية جيدة ودعوا لإجراء خبرة عليها، في وضعية لا تسر الناظرين، أما شبكة الانارة العمومية و المساحات الخضراء فتلك حكاية أخرى.

الواقع أننا لا يجب أن نطيل الحديث عن الطرقات وعن وضعية البنية التحتية بصفة عامة بمدينة وجدة، لأن هذه الطرقات تتحدث عن نفسها، وهي من الأشياء التي لا تخفى عن المواطن الذي يسلكها يوميا.

المشكل الحقيقي، أن هناك من يهرب إلى الأمام، سواء من المنتخبين أو من السلطات. المنتخبون وعلى رأسهم رئيس مجلس المدينة محمد عزاوي، لا يجيد سوى إطلاق الوعود، ومنذ تسلمه السلطة على رأس الجماعة، لم يظهر للرجل أي إنجاز على أرض الواقع يمكن أن يستشف منه أن هناك فعلا تغييرا يجبّ ما قبل، من سنوات البلوكاج وسنوات الضياع في المجلسين الماضيين على الأقل.

كل ما أحسن الرجل ترويجه هو لقائاته مع بعض أعضاء الحكومة و رئيس الحكومة المنتمين إلى حزبه، دون أن تكون للوعود التي وعدوه بها أي أجرأة على أرض الواقع، وهو ما يدفعنا في نهاية المطاف إلى تكوين قناعة مفادها أن الرجل يستديم وجوده على رأس الجماعة بترويج الأماني التي يصعب، إن لم نقل يستحيل تحققها، بالنظر لاكراهات الحكومة نفسها التي دعا رئيسها اخيرا وزرائه في إعداد ميزانية متقشفة، أو ما يرتبط بمالية الجماعة نفسها التي وصلت إلى نقطة اللاعودة، إلى درجة أن وجدة هذه السنة لم تتمكن حتى من صباغة وطلاء ممرات الراجلين بمناسبة عودة أبناء الجالية.

أما السلطة، فقد تولى ولاية جهة الشرق، وال في الواقع وبسبب ما تواتر من لقاءات، لا يمتلك رؤية للاقلاع، أو على الأقل رؤية لجمع الفاعلين في المدينة وحتى في الجهة لمدارسة هذا الهدف (الإقلاع).

لذلك انخرط في بعض المبادرات التي لا يمكن إلا أن نسميها مبادرات مناقضة للواقع، كما هو الشأن للاحتفالات التي نظمها بمناسبة مرور 20 سنة عن إطلاق الملك محمد السادس لمبادرة تنمية جهة الشرق في خطاب 18 مارس 2003.

ففي الوقت الذي كان المتابع للشأن العام ينتظر أن تكون هذه المحطة مناسبة لإعلان الوالي للرؤية المستقبلية التي تساهم في تخفيف الأزمة الاقتصادية والاجتماعية عن الجهة، تفاجأ الجميع “بالاحتفالات” التي أطلق عليها شرقيات والتي كادت أن تتمدد إلى شرقيات الراي، على نهج السنوات الغابرة “سنوات الخير والنماء” و العام زين!

زيادة على ذلك الرجل وبشهادة الجميع، ليس رجل تواصل ولا يظهر أنه يسعى لاحداث التنسيق الحقيقي لإيجاد الحلول للمعضلات الاقتصادية والاجتماعية كما ينص على ذلك القانون الذي ينظم عمله. وإلا فإن الرجل مدعو إلى تقديم حصيلة عمله مع الفاعلين من مختلف التخصصات والاهتمامات في سبيل تحقيق الإقلاع المطلوب.

المهم الحديث في هذا الإطار كما يقال ذو “شجون”، ويطول، والمواطن اليوم أكثر من أي وقت مضى مدرك جيدا لواقعه، والمسؤول عنه وعن استدامته!

هناك جزئية مهمة لابد من الاشارة إليها في هذا المقال، وهي في الوقاع قناعة لدى العديد من المهتمين في المدينة مفادها أن وجدة فقدت بريقها عندما ماتت مستشارة الملك زليخة ناصري ابنة وجدة، التي يرجع لها الفضل في المساهمة بالعديد من المبادرات التي حولت وجه المدينة.

هذا يدفعنا فعلا إلى الحديث عن نخبة وجدة، نخبة وجدة اليوم التي لا يكاد يسمع لها صوت ولا يعرف لها لقاء تتحدث فيه عن واقع المدينة، وما آلت إليه الأوضاع.

الجميع مع استثناءات محسوبة على رؤوس الأصابع لا يفتحون أفواههم إلا عند طبيب الأسنان.

أما هذا الوضع يمكن اليوم أن نقول بأن وجدة شيعت نفسها إلى مثواها الأخير، بسبب كل هذا الصمت وبسبب كل هذا “الخداع” الذي يجري في كل الاتجاهات لتسويق صورة مغلوطة عن مدينة تئن كثيرا!

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 1 )
  1. وجدي :

    الله يعطيك الصحة. مقال في المستوى.بحثت طويلا فلم أجد احدا سواك تطرق لهذا الموضوع.اين ساكنة وجدة من كل هذا العبث الذي يحصل لمدينتهم وهم صامتون؟! مقالك حقيقة يعبر عما يختلج صدورنا من غبن وحسرة على عاصمة الشرق. تحياتي لكم

    3

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)