حزب ” الحب” المغربي.. العشق الممنوع!

 

وأخيرا اقتحم الحب عالم السياسة، وبات واضحا جدا أن من ينقذ، ويخلص، لابد له أن يكون عاشقا، محبّا، ملهما؛ طبعا الإلهام باعتباره قيمة إنسانية تكشف المسكوت عنه، وتؤكد الحاجة إلى السمو بمعاني الخير، الجمال، التربية.. وكلها أهداف تمنح مشروعية التأسيس، لكنها تسائل الواقع، وتشكك في قدرة أي كان على تغييره، بالنظر إلى كون المسألة ليست مسألة حب، وفي ما أذا كان هذا الحب كائنا، أو حديث العهد بالسياسة، وإنما القضية لها ارتباط بالامتدادات التي توجه الفعل السياسي من أصله.

 

أشغال اللقاء الوطني، الذي جرى في العاصمة الرباط، قبل أيام قليلة، وأُعلن خلاله عن تأسيس حزب الحب العالمي، بعدما ضم في قاعدته التحضيرية عددا من الفعاليات الحقوقية، والفكرية، والسياسية، وحمل شعار ” من الافتراضي إلى الواقعي”، يحيل، في تقديري، على رهانات عدة أهمها: الشعور بإمكانية التغيير، والمساهمة، إلى جانب المعنيين به، في طرح البدائل، والظهور بمظهر الآخر المختلف؛ إن على مستوى التصور، أو على مستوى ملامسة اليومي وديناميته، على الرغم من أن كسب رهان التغيير، نظريا، لا يمنح، كخطوة أولية، سوى الإحساس برفض الانهزام، وهذه الخطوة مهمة جدا، بصرف النظر عن كل ممكنات الانتقال، ونجاح المشروع السياسي الجديد.

أول ملاحظة أثارت الانتباه وهي اعتماد مفهوم الحب في التركيبة الدلالية للمشروع السياسي، والعلاقة بين الدال والمدلول تفترض، في الغالب، أن تضمن قراءة تقريبية، وتمظهرات لأبعاد الفهم والتفسير المرتبطة بجدلية الحب – السياسة، وبالرغم من محدودية هذه الممكنات، فإن السياق الذي جاءت فيه المبادرة، يجعلها مدخلا أساسيا يروم تهيئ مفهوم إيجابي للسياسة، والحب، وللعلاقة بينهما.

إن المراهنة على مفهوم الحب، باعتباره الحلقة المفقودة هنا وهناك، يحتمل قراءتين أساسيتين؛ الإقرار الفعلي بالحاجة إلى صوت سماوي خالد يعيد الاعتبار لإنسانيتنا، ويخرجنا من حالة الإخفاق، ومن كل الوضعيات العاكسة للشعور باليتم، والهشاشة، وهذه القراءة، التي يرجح أنها الموجه الرئيسي لأنصار حزب الحب العالمي، تطرح سؤال الكيفي في الممارسة السياسية، وأهدافها الرامية إلى القطع مع الفهم التقليدي للسياسة والأحزاب السياسية، وكأن الحزب الجديد لن يكون سوى ” حكيما ناطقا بلسان الإنسانية، ومدافعا عن قيمها”.

أما القراءة الثانية، ولها من الاحتمال ما يجعل طرحها مشروعا، وهي أن الإستعانة بمفهوم الحب، وما يعنيه من دلالات عميقة، لا يختلف في شيء عن الإستعانة بمفاهيم من قبيل ” الدين، الحرية، العدالة، حقوق الإنسان..”، وهي مفاهيم حاملة لتطلعات الفرد، لكنها كاسفة لحقائق كثيرة تجعلها معزولة عن تفاعلات المواطن الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، وهذا بالتحديد ما وقع مع عدد من التنظيمات السياسية، ذلك أنها راهنت على المفهوم، وما يجعله مختلفا، لكنها أهملت البحث في شروط تنزيله لعراك اليومي، وما يخدم به المجتمع وإكراهاته، وهذا العجز قد يعزى لقصور في الرؤى، كما قد يعزى لواقع السياسة، وللمتغيرات المتحكمة فيها، وفي هذا الباب يطول النقاش.

مبادرة حزب الحب العالمي، وعلى الرغم من كل الملاحظات، تنعش الأمل، وتؤكد أن الحاجة إلى البدائل لك تنهزم في واقعنا، تطرح الكثير من التوجسات، والتحديات، وجب التعامل معها لا بمنطق القبول، بل بمنطق الريبة، والتشكيك، ومساءلة ما يبدو يقينيات في التصور الحزبي الجديد، وطبعا ” إلى أن يثبت العكس”!

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)