ما هو مستقبل حزب التجمع الوطني للأحرار؟

بقلم الكاتب الصحفي، مصطفى بوكرن

بعض الناس يرتكبون الأخطاء نفسها حين يصل حزب سياسي إلى قيادة الحكومة، ترى فئة تطير فرحا، وتتكلم عن عالم فردوسي، وفي المقابل فئة أخرى، تصاب بالكآبة وتجتهد في البكاء، وتتكلم عن عالم جهنمي.

 

الآن حزب التجمع الوطني للأحرار يقود الحكومة بزعامة أخنوش. ماذا سيقع له في المستقبل؟. ستكون له ولاية واحدة، وسيقوم أخنوش بوظيفته لولاية واحدة. وهذا يدركه الحزب الإداري جيدا، لأنه حزب يسير بالتيليكومند.

 

المخزن لا يمكن أن يبتعد عن “نظرية الحجم الطبيعي”، ولا يثق في أحد، لأن السلطة تغوي، هي مثل طابق لذيذ، إذا تذوقتَه من الصعب أن تقوم عنه.

 

ولذلك يقوم بإجراءات التحكم، سواء كنت ملحدا أو إسلاميا، مفسدا أو صالحا، ليبراليا أو شيوعيا، لا تهُم المخزن المرجعيات، السلطة تذيب كل شيء، ليظل المخزن مهيبا فيه لمسة غيبية سحرية.

 

يحكي الصحفي طلحة جبريل في لقائه مع الحسن الثاني عن حواره الأول بمراكش سنة 1985، قال: طلب الملك من الكاميرَمان أن يتوقف، وفجأة قال للخدَم، جيبو القهوة وأتاي، قال: أصِبتُ بالدهشة والفزع، لا أعرف كيف خرج طوفان من الناس، يأتون بما لَذ وطاب، وكيف تم تهييء ذلك.
هذا يقع في أمور بسيطة، فما بالك في السياسة.

إذن المخزن سيعطي فرصة للأحرار وسيتخلص منهم مثل “كلينيكس”، وهذا لا يعني أنه إذا فعل ذلك، فهو يريد قتله إلى الأبد، لا، إنما يقول له: قلل مِن شهوتك في حب السلطة، ارتح قليلا، سنريدك في العشر سنوات المقبلة.

ولذلك، من المستحيل أن يطبق حزب برنامجه الانتخابي كاملا، لو فعل سينافس المؤسسة الملكية، وسيصبح زعيم الحزب يزاحم الملك.

 

ولذلك، هناك حذر من أخنوش أكثر بكثير من الحذر من البيجيدي، لأن هذا يمتلك قوة اقتصادية، وأظن أنهم يريدون بهدلته في هذه المرحلة، لتحقيق نظرية الحجم الطبيعي.

لذلك، هؤلاء الذين التحقوا بالأحرار، يعرفون ذلك، هذه فرصتهم، للعمل بقاعدة: “استفاد يستفيد سنتسفيد”. ومن ينتظر من الأحرار أن يحل جميع المشاكل، ويقوم بإنجازات مبهرة، للأسف، بويا عمر تم إغلاقه.

 

يجب التأكيد، أن هناك صراعا غير مرئي داخل الدولة، يتم التحكم فيه، فكما أن الأحزاب ترفض أن يكون حزبا هو المسيطر، فإنه أيضا داخل الفاعلين الحقيقيين في الدولة، يريدون أن لا يسيطر طرف وينتصر على الآخرين.

المخزن يدبر هذه الأمور بتوازنات دقيقة، لأنه إذا تم تغَوّل طرف على الآخر، قد يهدد الملكية والملك، وهذا ما وقع مع أوفقير، الذي فتح له الملك السلطة على مصراعيها.

 

كما أن هناك توافقا بين الأحزاب، حول “مول النّوبة” بترتيب من المخزن، دون أن يتغول حزب على الآخر، فكذلك هناك توافق داخل الدولة، ونتذكر ما يقال عن الجيش المغربي، بعد انقلابين، قال لهم الحسن الثاني: اِبتعدوا عن السياسة وافعلوا ماشئتم.!

بمعنى أن المخزن يهمه أكثر ضبط التوازنات والتحكم فيها، دون أن يتغوَّل طرف على الآخر، فيصبح مُزاحما للمؤسسة الملكية والملك.

يُحكى أن الحسن الثاني، قال لليوسفي:
“أنا مريض وأنت مريض (لأن اليوسفي كانت له رئة واحدة)، نحن المرضى، سننقذ المغرب.”

وعمٍل مجهودا على ملاحقة اليوسفي، بداية من استقالة اليوسفي بعد انتخابات 1992و1993، حيث قدم استقالتَه، واتصل الاتحاد الاشتراكي بالديوان الملكي، ليخبرَه بما فعله اليوسفي، ويعمل على ثَنيه عن الاستقالة، وقد تمكن من ذلك، ورجع اليوسفي إلى المغرب، فأرسل الحسن الثاني إدريس جطو وزير المالية، ليُقدم عرضا حول مالية المغرب، أمام اليوسفي قبل أن يكون وزيرا أولا في سنة 1997، ليُقنعه بأهمية قيادته لحكومة التناوب، فأقنعه الحسن الثاني، وقال له:
“لا يمكن أن تكون حكومة إلا بك”.

ووَعدَه بتشكيل الأغلبية، وضمِنَها له إلى نهاية ولايته، وأعطاه كل الضمانات على نجاحه.

(تصوروا أن هذا يقع قبل الانتخابات. وهنا، ستفهمون أن كل ما يقع بعد الانتخابات هو ترتيب قَبلي للمخزن ودراسة كل السيناريوهات.)

وهذا ما قاله أيام زمان نوبير الأموي، أن الشعب المسكين بعيد عن ما تطبخُه النخبة السياسية.

 

الغريب هذا التوسل لليوسفي مِن قِبل المخزن، والذي كان يظن البعض أن المخزن وقع في حب الاتحاد الاشتراكي، وكل ما وقع أن الملك كان يعرف أن نهايته اقتربت، ويريد تأمين انتقال الحكم لولي العهد، فبعد ان تمت العملية بنجاح، تم التخلص من اليوسفي سنة 2002، وذهب باكيا إلى بروكسيل، وكأنه يقول:
يا ليتني لم أتراجع عن استقالتي سنة 1993.
ولكن هل هذا يعني التخلّص من الاتحاد؟، لا، ها هو أرجعَهم سنة 2021.

 

المخزن لا يحب الأحزاب ولا يكرهها، يعتبرها أدوات غيار، يستعملها في الوقت المناسب، وحكمُه مستمر، ليصنع ديمقراطية الواجهة، ويعيد “دمص الكارطا”، وهكذا، مرة يكون ديمقراطيا، ومرة يكون سلطويا، وهكذا، لا يوجد حسم، هناك مَد وجزر، وهذا المَد والجزر، ليس فقط على مستوى الأحزاب، بل حتى على مستوى الفاعلين داخل الدولة.

 

يهُم المخزن، أن يتحكم في التوازنات، ويمكن أن يضرب جهة بأخرى. هذا أشبه بعالم الخيال في الروايات. ولذلك من يناقش واقعنا السياسي، بالاعتماد على خطاب الخيار الديمقراطي، فإنه فعلا، قد وقَع في الفخ، وإن لم يتدارك نفسَه، فإن حالته ستصبح ميؤوسا منها.

 

الأحرار، جيء بهم لوظيفة محددة، إنهاء تغَوُّل البيجيدي. قام بها، وسيعود إلى دكة الاحتياط في سنة 2026، ثم ينادى عليه بعدها.

ولذلك، كل هؤلاء الذين اجتمعوا حوله، حين سينهار انتخابيا، سترونهم يلتحقون بالحزب، الذي يتم إعداده للفوز. ولن تسمعَ أحدا يردد بغباء:
هل خسارة الأحرار نهاية للاختيار الليبرالي؟

 

وهذه هي الديمقراطية المخزنية، التي تنظم الصراع وتضبطه، فيها إيجابيات وسلبيات. رفَضتها أم قبِلتها، لكن هذا واقعنا.
من إيجابياتها العظيمة التي لا تُقدر بثمن : “الاستقرار واستمرار مؤسسات الدولة”. والباقي تفاصيل… وليحمد المغاربة الله، أن بلدَهم فيها قوة يخضع لها الأغلبية، دون دماء، اسمها المخزن. ولا يقول السياسيون هذه الحقيقة لمناضليهم إلا بعد إصلاح الصالون وبيت النوم.

 

لكن أحزاب المناضلين تبيع الأوهام لهم، وتتحدث عن “المشروع المجتمعي..”

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)