التعليم من بعد

ها قد حل الفرج أخيرا على ملايين التلاميذ المغاربة وأسرهم، ومعهم آلاف الأساتذة الذين عاشوا في قلق متواصل منذ قرار إيقاف الدراسة في منتصف شهر مارس المنصرم بسبب حالة الطوارئ الصحية المفروضة لمواجهة جائحة كورونا، بعد أن قررت وزارة التعليم عدم استئناف الدروس الحضورية لهذا الموسم، واعتماد نتائج الدورة الأولى لتحديد الناجحين، وإلغاء الامتحانات الاشهادية لكل من السنتين الختاميتين للمرحلتين الابتدائية والثانوية الإعدادية، واجراء امتحانات الباكالوريا ضمن هامش احتمالات أقل بشأن الدروس موضوع الامتحان بسبب اقتصارها على دروس الدورة الأولى فقط.

وبهذا يتكشّف مصير السنة الدراسية التي ظل الوزير أمزازي يرفض مرارا وعلنا توشيحها بالأبيض، وبه أيضا يستأنف التلاميذ باستثناء المرشحين منهم لاجتياز امتحانات الباكالوريا عطلتهم الطويلة التي ابتدأت فعليا في شهر مارس، رغم كل الحديث المثار حول آلية التعليم عن بعد.

الكثير من اللغط رافق عملية إيقاف الدراسة، ونتيجة لذلك لم يتوقف التفاعل على صفحة وزير التعليم على الفايسبوك، وإن جاء معظمه على شكل تعليقات ساخرة، وأحيانا بعض الاتهامات والتهديدات لشخص الوزير ما أوجب تدخل السلطات القضائية على الخط كما حدث في قضية تلميذ تيفلت صاحب الصورة الكاريكاتورية التي اعتُبرت دعوة لارتكاب جريمة قتل في حق أمزازي، اليوم وبعد هذا القرار المستجد ربما يتوقف هذا التفاعل وتعود الأمور لسابق عهدها، لكن مع مكانة جديدة بات يحتلها السيد الوزير.

الآن فقط يمكن الجزم بأن الموسم الدراسي انتهى، وعليه فلن يبالي التلاميذ بعد اليوم بتنبهات وصول رسائل الدروس والواجبات على تطبيق ’’واتساب‘‘، وستقوم الأمهات بمسح أو حظر أرقام الأساتذة، واستعادة هواتفهن من أيدي الأبناء، ووضع نهاية للتعليم عن بعد، وإسقاطه من قائمة الواجبات حتى شتنبر المقبل تطبيقا لمقولة ’’ التعليم من بعد‘‘ والحقيقة أن العام المقبل الذي نتمنى أن نستأنفه في حال أفضل مما نعيشه اليوم، سيشهد فيه قطاع التعليم تحديا كبيرا -إلى جانب كل مشاكله المزمنة والمستحدثة- بسبب فترة العطلة الطويلة الذي عاشها التلاميذ من جهة، ومن جهة أخرى بسبب عدم اطلاعهم بتاتا أو اطلاعهم اطلاعا ناقصا على نصف الدروس المقررة لهذا الموسم والتي تنبني عليها وكنتيجة لها معارف السنوات المقبلة.
مصير السنة الدراسية وآفاق استكمالها كان الجزء الأول فقط من جواب وزير التعليم خلال جلسة مجلس المستشارين ليوم الثلاثاء الماضي، الجزء الثاني والمتعلق بحصيلة التعليم عن بعد والذي أورد الوزير بخصوصه أرقاما كثيرة تتعلق أساسا بحجم المحتوى الرقمي، ونسب الولوج للمنصات، وعدد الأقسام الافتراضية، لكن كل هذه الأرقام والنسب لا تجيب عن حصيلة العملية التعليمية عن بعد، ولا تمنحنا تصورا واقعيا عن جدواها، ولا عن مدى تحقيقها للأهداف المرجوة منها، بالتالي فلا فائدة من ضخ المحتويات وتمرير البرامج دون الاهتمام بتسهيل طرق الوصول إليها للعموم، ولمدى ملائمتها -محتوى إبداعي ومتطور- وقدرة الفئة المعنية بها على استيعابها.

ما وقع جراء أزمة كورونا منحنا رؤية جديدة عن جانب آخر يعرف قصورا داخل المنظومة التعليمية، والذي ما كان سيثار أصلا لولا هذه الظرفية، إلى جانب الأزمات العتيقة داخل هذا القطاع، والتي تتكشف خطورتها أكثر في ظل مثل هذه الظروف الصعبة والاستثنائية، هذا ما يخص المشكل أما بخصوص الحل فمع عدم توفر الإرادة سيبقى هو كذلك ’’حتى لمن بعد‘‘.

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)