“الضيعات الإيكولوجية” بالريف..مزارعون على خطى الأجداد لإحياء “غابات الطعام”

من تزاغين إلى اجرمواس إلى افرني على الحدود مع ميضار بإقليم الدريوش، إلى ضواحي أيث قمرة بإقليم الحسيمة،  قضى أعضاء جمعية “بيرما ريف” للزراعة المستدامة، و أعضاء من شريكها الرئيسي وداعمها مؤسسة “ريف فوريست” بهولندا، أسبوعا من الصعود إلى الجبال والنزول نحو السفوح، أملا في إخراج المشروع الجديد للجمعية التي تأسست بالدريوش في يوليوز 2021 في أحسن الظروف.

مع انتهاء يوم أمس الجمعة، كانت الجمعية قد وضعت اللبنة الأساسية في إطلاق مشروع “الضيعات الإيكولوجية”، الذي ظل يراود أعضائها لمدة ليست بالقصيرة، ليرتقي بعمل الجمعية إلى مستوى آخر من العمل في مجال الزراعة المستدامة في الريف.

الحقيقة أن مشروع “الضيعات الإيكولوجية”، كان نتاجا طبيعيا لتراكم خبرة معتبرة في مجال التشجير في الريف، وهي المبادرة التي انطلقت منذ عام 2015 من قبل مؤسسة “ريفوريست بالريف”، قبل أن تأخذ عنها المشعل “بيرما ريف، قبل نحو 3 سنوات.

و تميزت السنوات الثلاثة الاخيرة التي أخذت فيها “بيرما ريف” مشعل الغرس بتنسيق مع المزارعين المحليين والجمعيات المحلية، بتوزيع وغرس الألاف من الأشجار المثمرة حتى بلغت في الموسم الزراعي الحالي نحو 30 ألف شتلة بين أشجار مثمرة وأعشاب طبية ذات قيمة ونفع اقتصادي هام.

وقال عبد الرفيع العدناني، رئيس جمعية “بيرما ريف”، في تصريح لـ”شمس بوست”، أن الجمعية إكتسبت من خلال برنامج الغرس السنوي، ما يكفي من الخبرة لتطوير عملها نحو آفاق أكبر، وهو ما ترجم في مشروع إحداث 5 ضيعات إيكولوجية، بمعية شريكها مؤسسة “ريفوريست”، وبدعم من منظمة “الاوز البري”، الهولنديتين.

وأضاف أن الضيعات، ستكون بمثابة نماذج يمكن اعتبارها مرجعا لباقي المزارعين لاحياء نمط الأجداد في الزراعة. وهو النمط الذي كانوا يزاولونه بواقع الفطرة و بحتمية الإمكانيات البسيطة، مع فارق في الاستعانة بالخبرة العلمية في تطوير هذا النمط الذي يؤكد العالم كله على نجاعته و استدامته.

وأبرز أن الجمعية ستعمل على مواكبة المستفيدين، خاصة في مجالات تهيئة الأرض والعناية بها، خصوصا وأن المعنيين سبق لهم أن استفادوا من دورة تكوينية مكنتهم من اكتساب مهارات اساسية خاصة في اعداد السماد الطبيعي و كيفية تجميع مياه الأمطار.

ويكتسي هذا النمط الزراعي أهميته أيضا، في ظل ما يعرفه العالم من جفاف نتيجة للتغيرات المناخية الكبيرة.

من جانبه قدم عبد العزيز كعواس، رئيس مؤسسة “ريفوريست” بهولندا، خلال لقاء جمع المستفيدين و عموم المهتمين بالمشروع بأحد الفضاءات ببتزاغين، نبذة عن تاريخ الزراعة المستدامة وظهور هذا المفهوم أول مرة في أستراليا، وكيف يمكن لهذا النمط أن يعيد الحياة من جديد إلى الأرض التي دمرتها الفلاحة الصناعية التي تعتمد على المبيدات و الأسمدة الكيماوية.

وشدد على أن مؤسسة “ريفوريست” التي تضم أبناء المنطقة بهولندا، تعمل على جمع التبرعات اللازمة من الأفراد وبعض المؤسسات والشركات الشريكة، لعمليات التشجير والمشاريع المستدامة من أجل استعادة “غابات الطعام” في المنطقة.

غابة الطعام

الضيعات الايكولوجية التي أطلقت العمل فيها الجمعية تتماهى مع فكرة “غابة الطعام”، التي تتوخى تقليد النظام البيئي للغابات، من خلال الاختيار الدقيق للأشجار، وأيضا للأعشاب وحتى الحيوانات الاليفة والدواجن التي تضفي عليها صبغة “التكامل الغذائي”.

عندما التقى أعضاء الجمعية بحر الأسبوع الذي نودعه بدوار “دما سوعري” بجماعة اجرمواس التابعة اداريا لاقليم الدريوش، بحكيم الوعماري، كان هذا الشاب الثلاثيني، يستعد لينطلق في رحلته للعناية بالأشجار التي سبق واستفاد منها في إطار إحدى حملات التشجير السنوية التي تشرف عليها الجمعية.

الواقع أن حكيم إلى جانب اهتماماته الفلاحية، يضطر إلى مزاولة أنشطة موازية لضمان دخل لعائلته الصغيرة. وبالنسبة للجمعية يشكل حكيم واحد من المزارعين الذين يمكن تطوير العمل معهم من خلال إحداث ضيعة ايكولوجية في الأرض التي يستغلها اليوم.

وحتى تكون الخطوات عملية استعانت الجمعية في هذه المهمة بالخبير في هندسة الضيعات الايكولوجية ونظم جمع مياه الأمطار عمر حاجي، الذي قدم لحكيم العديد من التوجيهات التي سيعمل عليها لتهيئة الأرض حتى تصبح جاهزة لاقامة المشروع. من ذلك طريقة تسوية الأرض حتى تتمكن من الاحتفاظ بأكبر قدر من المياه وبخاصة مياه الأمطار، وأيضا التجهيزات الهندسية التي يمكن إحداثها في الشعاب المجاورة أو التي تخترق الأرض.

وفي الواقع فإن أفراد عائلة حكيم من الذين سبقوه إلى إستغلال الأرض كانوا على دراية واسعة بطرق تجميع المياه في هذه الشعاب، وهو ما تؤكده الشواهد القائمة حتى اليوم رغم مرور عقود على تشييدها، وهو في نفس الوقت ما منحه فكرة مسبقة حول طرق بناء التجهيزات الهندسية بالطرق التقليدية المعروفة.

زيادة على ذلك تلقى من حاجي العديد من التوجيهات حول طرق إعداد الخنادق في الأرض التي يمكن أن تحتفظ بمياه المطر، وتكون في نفس الوقت مجالا لغرس الأشجار المثمرة، مع التأكيد على تغطية أحواض الأشجار المناسبة لطبيعة المجال و المناخ، بالخلطات المناسبة من الأعشاب التي ستضمن خصوبة أكثر ورطوبة مثالية.

رغم ذلك الهاجس الذي كان يقض مضجع حكيم على الدوام هو ضمان الكميات اللازمة من المياه للحفاظ على الاشجار الكائنة في ارضه حتى اليوم وللاشجار التي سيتم غرسها في المستقبل والتي قد تتجاوز 200 شجرة جديدة في إطار مشروع الضيعة.

لحسن حظ حكيم فإن بئرا قديمة حفرت من قبل عائلته بالطريقة التقليدية تقع في الجبل المتواري خلف أرضه على مسافة نحو كيلمتر واحد مازلت تنبض بالحياة، وإن كانت مياهها لا تكفي.

الجمعية وبمعية مؤسسة “ريفوريست” عبرتا عن امكانية مساعدة حكيم في زيادة عمق البئر التقليدية لضمان الكميات اللازمة من المياه، و هو الأمر الذي قد يشكل نقطة فارقة في مسار عمله في الضيعة، في اتجاه تخصيص وقت اكبر لها حتى يتفرغ لها بالكامل.

أكثر من ذلك وتماشيا مع فكرة “غابة الطعام”، فإن الشركاء سيدعمون حكيم بتوفير بعض خلايا النحل و سرب من الدجاج، ليضمن دخلا إضافيا مشجعا على الاستقرار الاقتصادي.

وقال حكيم في تصريح لـ”شمس بوست”، أنا مستعد للمضي في الفكرة، التحوف الذي كان يراودني هو ضمان المياه في ظل ما تعرفه المنطقة ككل من شح في الأمطار”.

وأضاف “لكن في حالة ضمان تدفق المياه من البئر فإن الوضع سيختلف، وسكون المجهود كله منصب على تنمية الضيعة و العناية بها”.

عبد الحي لمغاري مسير تعاونية “ساموراي لتقطير زيوت الأعشاب الطبية والعطرية”، واحد من المستفيدين في إطار مشروع الضيعات الايكولوجية، يستغل هو الآخر ضيعة من حوالي هكتارين، تقع بين تفرسيت و ميضار وتابعة إداريا لجماعة افرني بإقليم الدريوش.

الأرض التي يستغلها عبد الحي تتوفر على بعض أشجار الزيتون، لكن الملاحظات التي تم رصدها خلال زيارتها كانت تتمحور حول سبل العناية بالأرض أكثر وتسويتها وايضا زيادة الأشجار بالشكل الذي يحقق التنوع على هذا المستوى، بالاضافة إلى وضع نظام للري بالتنقيط خاصة، وأنه يتوفر على كميات كافية من المياه وهو ما يجعله يتجاوز هاجسها بشكل كبير.

يتحدث عبد الحي عن انخراطه في هذه المبادرة بالقول: “قبل الأزمة الصحية التي مرت بها البلاد والمتمثلة في انتشار وباء كورونا، كانت الفكرة هي تخصيص الأرض لانتاج الاعشاب الطبية والعطرية لتقطير زيوتها، لكن في خضم الازمة المذكورة تبادرت الى الذهن فكرة اخرى وهي التي سنمضي فيها اليوم”.

وأضاف في تصريح لـ”شمس بوست “بعدما التقيت بأعضاء من جمعية بيرما ريف وريفوريست أصبحت الفكرة ان نخصص جزء من الضيعة لانتاج الاعشاب و الجزء الثاني للزراعة المعيشية من خلال بعض الخضروات، الى جانب الأشجار، مع تربية بعض الدواجن و الارانب وحتى الاغنام”.

وزاد “نريد ان تكون ضيعة نموذجية نحقق من خلالها اهداف الضيعات الايكولوجية من خلال زراعة صديقة للبيئة تحافظ على حقوق الأجيال القادمة في أرض صالحة للزراعة خالية من السموم، وأيضا تحقيق هدف اقتصادي عبر فسح المجال للزوار لزيارتها و التبضع منها و حتى قضاء بعض الوقت فيها”.

الماء ولكن

بالنسبة لمنير السلامي وهو أحد المستفيدين من مشروع “الضيعات الإكولوجية”، بضواحي مركز أيث قمرة بإقليم الحسيمة، لم يعد هاجس الماء مطروحا لديه، هو يتوفر على كميات جوفية هامة تكفي لضيعته التي تقارب مساحتها الـ4 هكتارات، لكن هناك حاجة دائمة لاستغلال مياه الأمطار وهي الطريقة المثلى لاقتصاد استهلاك المياه.

وكان واضحا تأكيد الخبير عمر حاجي على أساليب تجميع المياه سواء في الضيعات التي تضمن كميات المياه، أو التي تتوفر على مصادر شحيحة، و هو ما يؤكد على أن النجاعة في التجميع يمكن معه أن تتجاوز الضيعات “القلق المائي”، الذي يتحول في كثير من الأحيان إلى حجرة عثرة في إنجاز مشاريع فلاحية مستدامة.

في هذا السياق ومن خلال الجولة التي تمت في الأرض التي يستغلها الشريكين حسن بنعلي و أحمد الخياري، بمنطقة تزاغين، باقليم الدريوش، واللذان عبرا عن وعي كبير بأهمية الزراعة المستدامة، لاحظ حاجي وجود العديد من الشعاب التي يمكن أن تكون مصدرا هاما لتجميع المياه واقامة التجهيزات الهندسية أسفلها من أجل ذلك.

والواقع أنه تم الوقوف على نجاعة هذه التقنيات في الميدان، إذ من خلال سد صغير أنجز في محيط أرضهما يتم ري مساحات مهمة حتى الوقت الحاضر رغم مرور عدة أسابيع على أخر تساقطات مطرية تهاطلت على المنطقة.

وقد بدا من خلال النقاشات التي خاض فيها الجميع خلال أسبوع أن هناك وعي متنامي بأهمية تجميع المياه وانجاز مشاريع خاصة بهذا الجانب، وهو ما قد يثمر في المستقبل مشاريع لـ”برما ريف” خالصة للمياه.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)