حملة مول “جيلي أصفر”.. عندما يستمتع المواطن المغربي بـ”عصر” أخيه الحارس المزلوط!

لا أحد ينكر الفوضى التي تعيشها بعض شوارع المدن المغربية، وبالخصوص المدن الكبرى التي تعرف حركة دائمة، وترددا مرتفعا للعربات على شوارعها ومحاورها الطرقية الرئيسية.

 

معظم الجماعات الترابية، لجأت لتفويض هذا القطاع لشركات لتدبيره، وحتى تدبير بعض المواقف التابعة لهذه الجماعات، ولم تسلم عقود التدبير المفوض هذه من الجدل، وكانت دائما محط خلافات جوهرية، بل واتهامات في كل الإتجاهات.

 

وبعد تجربة عقود من هذا النوع من التدبير، تبين أن التدبير المفوض في حقيقة الأمر كان سببا في تعميق وضعية الأزمة التي عاشها هذا المرفق، وسبق للمجلس الأعلى للحسابات أن حسم بصفة عامة في التدبير المفوض وأكد محدودية فعاليته.

 

الكثير من الجماعات انسجاما مع المستجدات التي جاءت بها القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات بالخصوص، لجأت إلى إحداث شركات للتنمية، والتي تم التنصيص عليها لتكون إجابة عملية عن فشل التدبير المفوض.

 

رغم ذلك لم تتوقف الفوضى في الكثير من المدن، ويمكن الجزم أن لا أحد من المواطنين وبالخصوص من أصحاب السيارات والعربات، لم يقعوا في مواقف محرجة ومتشنجة في الكثير من المرات مع حراس السيارات أو من يوصفون اليوم بأصحاب “جيلي أصفر”.

 

في حقيقة الأمر، وضع الفوضى الذي يفترض أنه هو الداعي لشن حملة على مواقع التواصل الإجتماعي لمحاربة “أصحاب جيلي أصفر”، تتداخل فيها العديد من العوامل.

 

هناك ما هو مرتبط بتدبير هذا القطاع بين صاحب الاختصاص في تدبيره وهي الجماعات الترابية والشركات المعنية، ففي الوقت الذي تفوض فيه الجماعات تدبير هذا المرفق، لا ترافقه بالعديد من الإجراءات، وبالخصوص المرتبطة بالمراقبة الدورية والمستمرة واجبار الشركات المعنية على الانضباط لكناش التحملات، سواء فيما يرتبط بالأثمنة المفروضة أو وضع علامات التشوير اللازمة والمحددة للأثمان والمعينة لأماكن الركن المدفوعة.

 

غياب المراقبة، يسري أيضا على تفويض هذه الشركات أو كرائها “من الباطن” إن صح التعبير، لبعض الشوارع لأشخاص يكونون في كثير من الأحيان من ذوي السوابق القضائية، ويلزمون بدفع مبلغ مالي مقابل هذا “الكراء” عند نهاية كل يوم، فيضطرون لمصارعة الزمن والمواطنين على حد سواء لتحقيق سومة الكراء، وفوقها الربح اللازمة، ومن أجل ذلك لا ضير لديهم في رفع الأثمان بشكل جنوني.

 

كما أن وسط هؤلاء الحراس، هناك من يستولي على محاور طرقية معينة ويتخذها مصدرا للدخل، وهنا يرى العديد من المتابعين بأن حتى المصالح المعنية مقصرة في تفعيل المقتضيات التنظيمية والقانونية، ذلك أن الجماعات يجب أن تحدد أيضا الأماكن التي يسمح فيها بركن السيارات بالمجان.

 

لكن هناك سؤال ينتصب ونحن نستعرض هذه المعطيات: هل المشكل ينتهي بالقضاء على مول الجيلي اصفر، أم أن المشكل بنيوي وأعمق؟

 

الملاحظ أن الحملة الموجهة ضد هذه الفئة، تترجم من قبل عدد من الأشخاص في فضاءات التواصل الإجتماعي، بكثير من الحقد والتحامل، ذلك أن عدد من هؤلاء المواطنين ينظرون إلى هذه الفئة باحتقار شديد، دونما طرح سؤال جوهري: كيف أصبحوا هكذا؟

 

هناك من يعتقد أن إشكالات تنظيم السير والجولان، ومخططات التنقلات الحضرية، سببها هؤلاء، رغم أن الإشكال من أساسه نابع من فشل الطبقة المنتخبة بالدرجة الأولى ومعها  بعض المؤسسات المعنية، في إيجاد حلول عملية لإشكالات مرآب السيارات، والتخطيط الأمثل للمحاور الطرقية.

 

كما أن الإشكالية، لا يمكن أن نفصلها عن سياقها وإطارها العام، وهو الأزمة الاجتماعية البنيوية التي يعرفها المجتمع المغربي، والمتمثلة بالأساس في غياب فرص الشغل، وليس كما يحاول العديد من الذين يواجهون هذه الفئة براديكالية أن يقنعونا، بأن هؤلاء هم مجموعة من “باردي القلوب”، هناك ما يؤكد في الكثير من الأحيان ان هؤلاء يعيلون أسرا بكاملها، وبالتالي حل إشكالياتهم ينطلق من فهم حقيقي للأزمة وأيضا لترابطها مع إشكالية البطالة.

 

هناك حقا، من يتعاطى مع هذه الحملة بمنطق “الحكرة” ويسوق في سياق تبرير هذه الحكرة التي يمارسها على هذه الفئة، كليشيهات وصور نمطية عن سلوك هذه الفئة، دونما أن تكون للعديد من المنخرطين في هذه الحملة الشجاعة الكافية، لمواجهة مصدر الإشكال، إن الحل الأمثل لأي مرض هو علاج مسببه، وليس مواجهة أعراضه، كما يقول العارفون!

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)