ماكرون والاسلام وحملة مقاطعة منتجات فرنسا

تعيش فرنسا هذه الأيام على صفيح ساخن، بعد الحملة الشرسة التي شنها الرئيس ماكرون ضد ماوصفه بالإسلام المتطرف، معلنا في ذات الوقت أن بلاده لن تتخلى عن نشر الرسومات المسيئة للرسول.

 

وقد شملت حملة ماكرون هاته إغلاق 328 مسجدا ومدرسة وناديا، كردة فعل على إقدام شاب شيشاني على جريمة قطعه رأس أستاذ تاريخ عرض على تلاميذه صورا كرتونية للرسول بشكل إستفزازي.

 

وتأتي هذه الحادثة المدانة، التي أججت الغليان الفرنسي في سياق مسلسل من الوقائع السابقة التي دفعت ماكرون إلى الخلط بين الإسلام وبعض المتطرفين من أتباعه، وهو خطأ لايليق بمثله، لأن التطرف إستثناء وليس قاعدة يقاس عليها.

 

فقد وقع الإرهاب من يهود ومسيحيين وبوذيين، ولم يقع أي رئيس فرنسي ولا أحد من أهل الديبلوماسية في هذا الخلط الذي إعتبره الكثيرون معيبا.

 

إن إصرار الإعلام الفرنسي على إقرار الإساءة للأنبياء والرسل على أساس أنها حرية تعبير، هو خطأ وجب تداركه، وورقة لم تعد صالحة للعب السياسي وتكريس التطرف العلماني، خصوصا وأن أطروحة حرية التعبير سقط قناعها، وغدت أكذوبة وأسطوانة مشروخة يتغنى بها الغرب على حد تعبير العديد من المراقبين والمتابعين.

 

ألم يصدر حكم بالسجن على روجي غارودي، وهو أحد أكبر المفكرين الفرنسين لأنه شكك في إعداد مذابح ومحارق نازية لليهود، مع أن هذه المعطيات ليست مقدسة، وهي معلومات تاريخية تقبل الرأي وضده،  و أين هي حرية التعبير ياماكرون يتساءل أحدهم.

 

إن قتل المدرس الفرنسي قد صب الزيت على النار، ووضع مسلمي فرنسا جميعا في قفص الإتهام، وعضد موقف ماكرون، الذي يسعى مع أمثاله من الأحزاب أيام الإنتخابات إلى تحميل المهاجرين المسلمين وزر كل الأزمات والمشاكل والعنف الذي يحدث على تراب فرنسا، وهذا الوضع ليس بغريب، فقد حدث ذلك منذ وقت بعيد مع أحزاب اليمين المتطرف، والآن يتم تدوير نفس الآلية من طرف أحزاب أخرى بهدف حشد الأنصار باللعب على ورقة الإسلام وتطرفه.

 

هذا وذهب البعض إلى أن ماكرون يخشى في الواقع من العدد المتزايد لمسلمي فرنسا، فهم الآن 6 ملايين، ومعدل المواليد والخصوبة لديهم مرتفع ومعظمهم مهمشين في الضواحي الفقيرة، وبعضهم لديه إستعداد للتطرف، خاصة في ظل المأزق الديني والإنساني والهوياتي.

 

وفي سياق تفاعله مع هذا الغليان، قال الإعلامي عبد الباري عطوان: ” نحن ضد التطرف وكافة أشكال الإرهاب يهودية أو مسيحية أو إسلامية، ومع التعايش الحقيقي بين جميع الأديان السماوية، ومختلف الأعراق، ولكن ما نعارضه هو التمييز وحصر هذا الإرهاب بالمسلمين دون غيرهم….فالإسلام السياسي المتطرف هو صناعة أمريكية أوروبية”.

 

ردود أفعال عارمة وغضب ساطع يجتاح العالم الأزرق

 

على خلفية الخرجة الشرسة لماكرون تواصلت ردود الأفعال المنددة بما وصف بخطاب الكراهية المكرس للطائفية بجميع الأقطار العربية والإسلامية.

 

هكذا شجبت منظمة التعاون الإسلامي إستمرار الهجوم الفرنسي على مشاعر المسلمين والإساءة للرموز الدينية، مبدية إستغرابها من هذا الخطاب السياسي الرسمي, الذي يسيء العلاقات الفرنسية الإسلامية.

 

الخطاب التحريضي لماكرون لم يمر مرور الكرام، بل أشعل وسائل التواصل التي طالب نشطائها بمقاطعة المنتجات الفرنسية على أوسع نطاق،  معبرين عن غضبهم الشديد من إستمرار نشر الرسوم المسيئة للرسول.

 

في جدوى المقاطعة

 

إعتبر الكثيرون أن مقاطعة المنتجات الفرنسية سلاح فعال للرد على الإساءة التي مست مشاعر المسلمين، في حين عدها آخرون عملية وخطوة غير مجدية وتبقى لحظية محدودة الأفق، بل رآها آخرون عدمية لاتفي بالغرض، مشددين على ضرورة التحاور مع الآخر وإقناعه بوجهة النظر المراد إيصالها.

 

إلى ذلك ذهب الكثيرون وفي ذات السياق أن المقاطعات العربية الإسلامية السابقة جميعها جاءت كردة فعل آني وكان تأثيرها لحظيا، والدليل أن الأمور عادت إلى نصابها والمستوردات من أوروبا إستمرت وكأن شيئا لم يكن.

 

فكل قرارات المقاطعة العربية لم تحقق النتائج المرجوة، وأن العرب قاطعوا إسرائيل ثم تراجعوا، ثم قاطعوا النفط من الدول التي ساندت إسرائيل ثم ندموا على ذلك، وكذلك المقاطعة الدانماركية كانت شكلية.

 

فالمقاطعة تعبير عن موقف لا يؤثر إذا لم يكن جماعيا وشاملا، هكذا يجب أن تكون المقاطعة مبنية على دراسة حقيقية مع إيجاد بدائل للمستهلكين ووضع خطة واضحة لذلك حسب عدد من المراقبين.

 

فالمقاطعة موقف سلبي يفوت فرصة التأثير على الآخرين حسب أحد معارضي المقاطعة التي تبقى أحد أقوى حقوق المواطنين للتعبير عن عدم رضاهم عن موضوع أو قضية.

 

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)