يوميات في حضرة الشوافة – 18-

بعد الإنتهاء من الترتيبات الأولية لإقامة “الليلة” بمنزل والدة “ليلى” الذي يسكن جسدها جني، سرت في اتجاه منزل أحد أصدقائي لطلب المساعدة من جدته لإقامة “الليلة” بمنزل” ليلى”، جدة صديقي الذي كان يدرس معي في نفس الفصل، اعتادت على إقامة مثل هذه الليالي ببيتها ، و تعد وجها معروفا لدى الفرق الموسيقية الحمدوشية، وتتمتع بشعبية كبيرة وسط النساء والرجال على حد سواء الذين تستهويهم مثل هذه الليالي لما تتميز به من متعة وفرجة قل نظيرها لا يشعر بقيمتها سوى من استمتع بتلك الطقوس المثيرة والغريبة التي تشهدها مثل هذه الليالي.

 

إذ كنت مهووسا بحضور الليالي التي كانت تقيمها جدة صديقي ببيتها، كانت تستهويني النغمات الموسيقية التي تصدرها كل آلات العزف التي تستعملها الفرقة الحمدوشية من غيطة وطبل، وناي مرورا بآلة الهجهوج وصولا إلى الصفائح الحديدية والتي تعرف لدى العامية ب “قرقابو” وهي الآلة التي تعتمدها الفرق الموسيقية “الكناوية” في العزف، وغيرها من الآلات الموسيقية الأخرى، كما كانت تستهويني أيضا الطقوس الغريبة التي تصاحب هذه الليلة من “حضرة” وغناء واستحضار لأرواح الجن والدماء التي تسيل من بعض الرؤوس جراء تكسير الأواني الطينية أو من خلال توجيه لها ضربات متتالية بواسطة السكاكين، ويبقى المشهد الذي كان يثيرنا كثيرا لما تكون الفرقة الحمدوشية منهمكة في عزف مقطع موسيقي أمام تركيز جميع الحضور، وفجأة تغير الفرقة من الإيقاع وتدخل في إيقاع آخر كانت تنتظره بعض النسوة الحاضرات بشغف كبير، حيث لم يتردد في الصراخ، وتشرع أخريات في محاولة شنق أنفسهن بواسطة غطاء رأسها قبل أن تتدخل نسوة أخريات لمنعهن من شنق أنفسهن وإمساكهن من يدهن في وضع يشبه الركوع والسجود، وتركهن “يجذبن” على إيقاع الموسيقى، وما تنتهي الفرقة من العزف، حتى تتساقط النساء على الأرض ويتم رشهن بالماء وتلاوة بعض الهمهمات من قبل رئيس الفرقة التي تضطر لإعادة المقطع الموسيقي من جديد لأن إحدى النسوة لم تشف غليلها وأنها في حاجة لمزيد من الجدبة”.

الفرقة الحمدوشية التي كانت تنشط هذه الليالي كنا نطلق عليها إسم “كناكة” ثلاثة نقاط على حرفي الكاف، لم أبحث عن مصدر الإسم، كل ما أعرفه أن له علاقة بإسالة الدماء من رؤوس بعض أتباع الفرق الحمدوشية عن طريق الضرب بواسطة السكاكين وكذا تكسير الأواني الطينية.
يتبع

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)