ربورطاج: ” العطّٓار”.. أسرار صناعة الثراء في دواوير الهامش المنسي!

منذ زمن بعيد انتشرت في قرى المغرب العميق، شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، تجارة العطارة، يتعاطى لها أشخاص خبروا حرفة ” تعطّٓارت”، وأحاطوا بأسرارها، والمسكوت عنه في رحلة البحث عن ” الكنز”؛ موقع ” شمس بوست” بحث في الموضوع، ونقل لقرائه تفاصيل حرفة يحتقرها الكثيرون، لكنها صنعت ثراء الكثيرين.

 

” العطّٓار”.. جا للدوّٓار!

 

 

لا يُذكر اسم العطّار إلا مقرونا بالدوار، ولا تكتمل التوليفة إلا بترديد عبارة ” العطاار.. جا”.
كل يوم سوق أسبوعي تصادفه على الطريق متجها صوب الدواوير البعيدة. حماره النحيف يحمل كل ما لا يخطر على البال؛ أواني منزلية، لعب للأطفال، حلي للزينة.. يمتطي العطّار حماره، ويسير مُدندنا فوق رأسه ” ترازة” عريضة تقيه شمس النهار، وتخفي الجهة الفوقية من وجهه، في مشهد ألفه الكثيرون، وبالأخص نساء القرى، حيث لا يطيب له ” البيع والشرا” إلا وسطهن، وكأن في الأمر سرّ من الأسرار.

 

العطّٓار.. التاريخ والجغرافيا!

 

 

يتذكر ساكنة دواوير جبلية في تاونات، كغيرهم من ساكنة العالم القروي، البدايات الأولى للعطار في الدوار، والتي ترجع لتاريخ قديم، كان المتعاطون لهذه الحرفة يجوبون المداشر، ويقضون أياما بنهاراتها ولياليها، بحثا عن رزقهم في السفوح والجبال، ولا يقفلون راجعين إلا بعد نفاد سلعتهم.
أسباب كثيرة جعلت العطّار يخترق القرى، والدواوير، وينسج علاقات مع الصغير والكبير، بل كان يلجأ إلى دوار بعينه، أو مسجد قرية، يقضي به ليلته، في انتظار بزوغ فجر اليوم الموالي، حيث يستئنف رحلته، ولسان حاله يردّد ” فين ما راحت الشمس نبات”، وهذا التوصيف يحيل على معنى ” ضيف الله”؛ تلك العبارة التي كانت تفتح البيوت لعابر سابل، حيث تقابلها عبارة ” مرحبا بضيف الله”.
” يبحث عن الهمزة في الدوّار” بهذه العبارة لخّص أحد العارفين بخبايا العطّٓار، سبب اختراقه الثلث الخالي، لأن هناك يجد ” الغفلة”، كما يجد الكرم والسخاء.

 

يوم السوق.. اللغز!

 

لا يتوجه العطّار إلى دواوير مجاورة لمراكز قروية، أو محاذية لأسواق أسبوعية، إلا يوم السوق، وناذرا ما تصادفه بحماره يعرض سلعته في يوم غير يوم السوق، والسبب، حسب ما كشف عنه ل” شمس بوست” مواطنون، خلو الدوار من الرجال، حيث جرت العادة أن يتوجهوا صباحا إلى السوق، ولا يرجعون إلا بعد وقت الظهيرة.
تتحلق نساء القرية حول حمار العطار، وتشرعن في تفتيش كل ما يوجد فوقه، وهن يردِّدن بعفوية ” شنو عندك العطار!؟”، وفي الحين يأتي الرد ” كلشي على ظهر الحمار!”، وهي العبارة التي أضحت متداولة في كل زمان ومكان، ومعناها ” كلشي واضح باين”.
يقضي العطّار ساعات وسط النساء، ولأن اليوم هو يوم السوق، فإن النساء يجدن حرية لا متناهية في الاختيار، والمساومة، واقتسام المتعة بينهن، طبعا قبل رجوع الرجال.

 


المقابل.. الزيوت وما جاورها!

 

 

على الرغم من أن شخصية العطّار بدأت تختفي شيئا فشيئا، بسبب انفتاح القرى على الأسواق، فإن المقابل الذي كانت النسوة يؤدينه نظير مقتنياتهن كان يقدر زيتا، أو حبوبا، أو عسلا، وفي الغالب كانت قيمة المقابل أكبر من سلعة العطّار، لذلك كان كلما أقفل راجعا، تلمح فوق ظهر حماره أكياس الحبوب، أو براميل زيت بلدية، وما جاورهما من لوز، كركاع، وشريحة..

 

الحياينة وشراكة.. حرفة بوك لا يغلبوك !

 

 

العطّار في المتخيل الشعبي بتراب جبالة، وأحوازها، يأتي من الحياينة، أو شراكة، وناذرا ما يحل بالبلدة عطّار من منطقة الغرب.
هؤلاء كان لهم باع في ” تعطارت”، وكانوا يتقنون فن ترويج سلعهم، ويضمنون، بفضل روحهم المرحة، المبيت في مسجد القرية، وكثيرا ما كانوا يحكون مغامراتهم لشباب القرية في الليالي الصيفية المقمرة.
حرفة ” تعطّارت” صنعت ثراء الكثيرين، لكنها في طريقها للزوال، وذلك لأسباب كثيرة، على رأسها انفتاح القرى على المراكز الحضرية، وخروج المرأة للتسوق صحبة زوجها.

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)