سلك دروب المهربين.. أعجزته إسرائيل وينتظر العلاج عند أبواب أوروبا

لم يكن وسام المصري -الشاب الثلاثيني القادم من مدينة خان يونس بقطاع غزة- يتوقع أن يطول به المقام في المغرب كل هذه المدة، وتتأزم أوضاعه يوما بعد آخر، بعدما فشل مرارا في اختراق الحدود بين مدينتي “بني أنصار” الواقعة شمال شرقي المغرب، و”مليلية” الواقعة تحت السيطرة الإسبانية، ويعيش اليوم متنقلا بين بعض الفنادق البسيطة في انتظار ما يأتي، في ظل ظروف معيشية قاسية ومعاناة صحية لا تنتهي.

 

 

وتشير المعطيات التي حصلت عليها الجزيرة نت من مصادرها داخل مركز الاستقبال المؤقت للاجئين والمهاجرين بمليلية، أن نحو 200 فلسطيني -جلهم من القطاع- تمكنوا من تجاوز الحدود بطريقة ما في السنتين الماضيتين، قبل أن ينقلوا إلى وجهات أوروبية أخرى، لكن جهود وسام لم تفلح.

 

مسار طويل
فتح وسام قلبه المنهك بالآلام للجزيرة نت التي زارته في أحد الفنادق البسيطة بمدينة الناظور الواقعة على بعد عدة كيلمترات من “بني أنصار”.

 

مرضه يمنعه من التحرك، ويظل طوال الوقت ممددا على سرير متهالك، وعندما يرغب في ترك جدران غرفته ليتنفس بعض عليل كورنيش المدينة، يستعين بقريب له التحق به هنا لنقله خارجا على كرسي متحرك حصل عليه من محسنين.

 

بصوت متحشرج ينطلق وسام في سرد قصته التي بدأت عام 2007 عندما أصيب في إحدى هجمات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، ومنذ ذلك الحين لازمته حالة تشنج مزمنة بحث لها عن العلاج، وكان مستحيلا العثور عليه في القطاع بسبب الحصار المضروب عليه من الاحتلال، إلى أن قرر المغادرة إلى مستشفى ناصر في الجارة مصر.

 

لم تتحسن حالة وسام بعد 28 يوما قضاها في بلاد الكنانة، ليقرر العودة من جديد إلى القطاع. وعبثا حاول ثانية البحث عن علاج في قطاع أنهكه الحصار والغارات الإسرائيلية المتكررة التي دمرت معظم بناه التحتية، وبالخصوص المؤسسات الاستشفائية والعلاجية.

 

بعد ذلك اختار الشاب الفلسطيني خوض مجازفة من آلاف الكيلومترات، حيث قرر عام 2016 الخروج من القطاع مجددا والتوجه إلى مصر، ومنها مباشرة إلى تونس، قبل أن يستقر به الحال في موريتانيا التي كان أحد أشقائه يتابع دراسته فيها، ومكث هناك ثلاثة أشهر للغرض نفسه، أي العلاج، لكن دون جدوى.

 

 

لم يستسلم وسام وظل متشبثا بالأمل، شأنه شأن الآلاف من الجرحى والمعطوبين في القطاع الذين يأملون أن يأتي يوم يستعيدون فيه حياتهم الطبيعية، بعدما قلبها الاحتلال رأسا على عقب، ليستقر به القرار على مزيد من الهجرة، وهذه المرة كانت وجهته التالية الجزائر.

 

 

في الجزائر حدث حادث كان له أثر بالغ على وسام وضاعف من آلامه، إذ تعرض أحد رفاقه -واسمه طارق أبو رزق- بعد 14 يوما من المقام، لعملية قتل وأصيب هو بجرح غائر في بطنه، اضطره للمكوث هناك سنة وثمانية أشهر.

 

بعد انقضاء هذه المدة، قرر أخيرا التوجه إلى المغرب، وكان يعتقد أن مشاكله ستنتهي، لكن لم تكن محطة المغرب سوى انعطافة في مسار الألم الذي كابده طوال السنوات الماضية.

آلام على الحدود
سلك وسام الطريق التي يعبر منها معظم اللاجئين والمهاجرين على الحدود بين المغرب والجزائر، بالنفاذ عبر الحدود البرية -المغلقة رسميا بين البلدين منذ العام 1994- بطريقة غير نظامية، و انطلق يبحث عن علاج لمشكلته الصحية على غرار ما فعل في كل الدول التي مر بها.

 

 

سرعان ما تأكد بعد زيارات متكررة للمستشفى الإقليمي الحسني بمدينة الناظور شمال شرقي المغرب أن علاجه ليس متوفرا في أي بلد عربي، فقرر أخيرا ركوب مغامرة جديدة والبحث عن منفذ إلى مدينة مليلية الواقعة تحت السيطرة الإسبانية منذ مئات السنين.

 

 

قبل ثلاث سنوات تقريبا، فتحت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين مكتبا لها بمدينة مليلية، وشكل ذلك مصدر استقطاب للمهاجرين واللاجئين الذين يفدون على المغرب، إذ يعتقد معظمهم أنه بمجرد نفاذهم عبر الحدود المحكمة سيتمكنون من تغيير وضعهم.

 

يؤكد وسام أنه حاول مرارا عبور الحدود، لكن في كل مرة تتلقفه شرطة الحدود من بين الحشود التي تفد كل صباح لدخول مليلية للتهريب، وتعيده. كان آخرها محاولة قام بها قبل أسبوعين، ولم يكن يفصله عن هدفه سوى عدة أمتار، لكن في اللحظات الأخيرة انتبه شرطي لمحاولة عبوره ووقف سدا منيعا في مساره.

 

وفي كل محاولة كان وضعه الصحي يزداد سوءا، حتى إن حالات التشنج التي يعاني منها تفاقمت وترددت على جسده المنهك بمعدل أزمة كل ثلاثة أيام.

 

بالموازاة مع محاولاته النفاذ عبر الحدود، طلب وسام أيضا المساعدة من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، لكن دون جدوى.

 

ليس اعتلال وسام جسديا فقط، فحتى وضعه النفسي تعرض لهزة كبيرة عندما راح ضحية عملية نصب واحتيال في خضم بحثه عن طريقة للدخول إلى مليلية فقد فيها مبلغ خمسة آلاف يورو.

المصدر : الجزيرة

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)