شباب وجدة محب للحياة ولا يعشق الموت في السواحل الجزائرية والمغربية 

 

هناك صورة نمطية رائجة بين العامة، تفيد أن الشباب الهارب من العيش بيننا في وجدة وفي غيرها من ربوع الوطن، في اتجاه الضفة الشمالية للمتوسط عبر قوارب الموت، إنما يئس من الحياة، والحقيقة أن العكس هو الصحيح في تقديري، ذلك أن هربه إنما هو تعبير عن حب الحياة ورغبة في بلوغ مستوى الحياة الكريمة التي تحقق لديه ذلك الإحساس بقيمتها.

 

مناسبة هذا الكلام، هو تواتر الأخبار القادمة من الجارة الجزائر، عن غرق قوارب عديدة في عرض السواحل الجزائرية كانت تحمل إلى جانب مهاجرين جزائريين، شبانا مغاربة وبالتحديد من وجدة وعموم مدن الشرق، كان أخرها قارب غرق قبالة سواحل وهران.

 

أمس خرج العشرات من نشطاء مواقع التواصل الإجتماعي، وبعض عائلات الغرقى والمفقودين في وقفة تضامنية مع العائلات وتحمل طلبات إستعجالية تتعلق باستقدام جثامين هؤلاء الشبان للدفن في بلديهم وبالقرب من ذويهم ومطالب أخرى لا تقل أهمية، عنوانها البارز ضمان الحياة الكريمة لهؤلاء الشبان الذين يركبون أمواج الموت يوميا!

 

عندما كتبنا قبل سنوات بأن الأزمة التي تضرب هذه الجهة وهذه المدينة، سينجم عنها كوارث اجتماعية لم يكن ذلك من باب التشاؤم ولا اليأس أو حتى التجني، بل لأن الأفق بعد فقدان آلاف الشبان لمصدر دخلهم الوحيد المتعلق بالتهريب المعيشي ظهر بأنه أفق مسدود في غياب تفاعل جدي من جانب مؤسسات الدولة المعنية وبالخصوص مؤسسة الحكومة والمجالس المنتخبة وبالأخص مجلس جهة الشرق الذي من اختصاصاته الذاتية خلق فرص الشغل عبر المشاريع المنتجة لذلك.

 

صحيح أن السلطات بمعية مجلس جهة الشرق، حاولت تخصيص دعم للمناطق الحدودية، خاصة بعدما طفت الأزمة بشكل جلي على السطح، ولكن ما تم تقديمه من دعم لم يكن في الحقيقة يتوخى خلق بديل بقدر ما كان يؤجل الأزمة ولو لبضعة أسابيع وحتى أشهر، وإلا فإن البديل بكل تأكيد لن يكون هو بضعة شياه أو دجاجات وحتى بقرات!

 

الحقيقة أن النتيجة التي نعيشها اليوم، كانت متوقعة حتى قبل عقود، ذلك أن الجهة والمدينة لم تشهد إستثمارات منتجة للعمل التي يمكن أن تكون بديلا في حالة وقوع أية إنتكاسة من قبيل ما عشناه قبل عدة سنوات، رغم أن الحكومة وبتوجيهات من الملك عملت على تنزيل العديد من مشاريع البنية التحتية المهيكلة التي يمكن أن تكون محفزة للاستثمار منذ سنة 2003.

 

إن واقع اليوم هو تحصيل حاصل، وإستمرار الأزمة يعني بشكل “أطوماتيكي” إستمرار النكسات والأزمات الإجتماعية، وبروز لمزيد من القصص المحزنة والمؤلمة لشبان تقضي أمواج المتوسط على أحلامهم.

 

اليوم نحن بحاجة في حقيقة الأمر إلى برنامج شامل وكبير لتحقيق الإقلاع المطلوب، بالرغم من التحديات التي طرحتها أزمة كورونا، لكن إذا كان شعارنا دوما هو حفظ كرامة الانسان وحياته، فإن المنطق يقول بأن الأولوية هو حماية هذه الأرواح.

 

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)