عمي المختار .. قصة مناضل من مدينة جرادة مات مرتين ..!

 

المختار المحقوري، الملقب عند ساكنة جرادة بـ”عمي المختار”، عاش جزء من حياته معطوبا جراء حادث شغل في شركة مفاحم المغرب، داخل أحد أبار “الموت”.

 

وأصبح بعدها، وبسبب هذا الحادث الذي أفقده إحدى عينه وسلب صوته رمز من رموز الضحايا الباحثين عن “الخبز الاسود”، بهذه المدينة التي إعتمدت ولاتزال على الفحم الحجري كمورد دخل لأسرها.

مسار عمي المختار

 

بدأت قصة “عمي المختار”، الذي رحل اليوم إلى دار البقاء، بعد مسلسل حافل من النضال، حينما إنتقل من قرية أمازيغية ضواحي بويبلان بسلسلة جبال الأطلس، إقليم تازة، ليحط رحاله في سنوات السبعينات بمدينة جرادة بحثا عن قوت يومه، بعد أن قرر الاشتغال إلى جانب آلاف العمال بشركة مفاحم المغرب بأجر زهيد.

 

ذات صباح وفي إحدى شتاءات بداية الثمانينات حمل “المختار”، زاده و معوله ودخل أحد الأنفاق، ليزاول نشاطه الذي إعتاد على مزاولته لأربع سنوات، إلا أن ذلك الصباح لم يكن عاديا بالنسبة له، بل يوما، مفصليا في حياته بعد أن انفجرت على مقربة منه “المينا” (وهي متفجرات تستعمل في تفجير الكتل الصلبة من الفحم ).

أودى الحادث، بحياة أحد زملائه، بينما نجى هو من موت محقق، قبل أن يتسبب له في عاهة جسدية مستديمة، مكث بسببها بمستشفى السويسي بالرباط لسنتين متتاليتين، بعد غيبوبة طويلة.

 

أصيب عمي المختار، باصابات خطيرة على مستوى الأطراف، وعلى مستوى الرأس وفقد إحدى عينيه وفقد صوته إلى الأبد.

 

 ورغم محاولات الأطباء  إنقاذ ما فقده “عمي المختار”، في هذا الحادث المؤلم، الذي ظلت شواهدها بادية على مختلف أنحاء جسده، حتى أخر يوم من حياته، إلا أنهم لم يتمكنوا من إعادة صوته إليه، وإلى جانب الأعطاب البدنية الأخرى كانت كلها أسباب ليتم التخلي عنه، بدون معيل غير الايراد الذي كان يحصل عليه والذي قدر بحوالي ١٥٠٠ درهم كل ثلاثة أشهر، رغم أن عجزه قدره بـ٩٠ في المائة.

 

نضال مستمر 

 

لم يستسلم عمي المختار الذي شفي بعد جهد جهيد من كسوره فلملم جروحه المندملة، وظل يقاوم في البحث عن لقمة العيش لأجل أبنائه الستة.

 

وأمام المبلغ الهزيل الذي يحصل عليه، حاول أن يشتغل في مهن بسيطة، فزاول بيع الحلويات بواسطة عربة مدفوعة، واشتغل كحارس ليلي، وأمتهن أيضا أعمال البناء.

جرادة

ظل عمي المختار يناضل بشراسة لأجل الحصول على أبسط حقوقه التي سلبت منه من أجل الحصول على تعويضات عن الحادث الذي تعرض له، وعن حياته التي قضاها عاجزا عن فعل أي شيء، شارك في وقفات احتجاجية، وفي مسيرة  مشيا على الأقدام لأزيد من 200 كلم، إلا أن الأذان ظلت صماء إتجاه مطالبه.

 

نهاية رجل

 

توفي المختار صباح اليوم الأربعاء متأثرا بجروح أصيب بها على مستوى الرأس في حادث سقوط لازالت أسبابه مجهولة، ليرحل هذا الشيخ السبعيني تاركا وراءه عقودا من المعاناة، دون أن يستفيد كمعطوب قضى جزء من حياته في خدمة الاقتصاد الوطني، لا من السكن  ولا من التقاعد.

 

رحل الشيخ ورحلت معه مطالبه التي ظل يناضل لأجلها لعقود بل وتوارت  معه ألاف القصص الحبلى من رحم البؤس والفقر والمآسي التي لازال مئات من ساكنة الجوهرة السوداء تتجرع منها كما شرب منها عمي المختار الذي سيظل رمز من رموز راسخة في ذاكرة مدينة “الأيتام”.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)