وافق شَنٌّ طَبَقَة

هما بطلان  لفسفة اتفاق العقلاء ، و وقوع الوفاق والتآلف بين المتحابين والأزواج ، لهما قصة شهيرة عند العرب قديما حتى صار يضرب بهما المثل ليومنا هذا .

في الغابر من الأزمان كان هناك رجلٌ من عقلاء العرب يدعى شن ، لما رغب في إكمال نصف دينه  قال : والله لأطوفن حتى أجد امرأة مثلي أتزوجها ، وبينما هو في مسيرة البحث فإذابه يصادف رجلا في الطريق، فسأله عن وجهته , فأجاب الرجل : موضع كذا ؟ فرافقه شن حتى إذا سارا في مسيرهما ،

قال له شن : أتحملني أم أحملك ؟ فقال له الرجل : يا جاهل أنا راكب وأنت راكب ، فكيف لي أن أحملك أو تحملني ؟ فأبلم شن .

وظلا على حال سيرهما حتى إذ قربا من القرية المقصودة ، إذ بزرع حصد قد استحصد ، فقال شن للرجل : أترى هذا الزرع قد أكل أم لا ؟ ، فقال له الرجل : يا جاهل ترى نبتًا مستحصدًا فتقول : أكل أم لا ؟ فسكت  شن ثانية و بقي الرجلان على نفس الحال  من الجمود حتى  مدخل القرية ، إذ وجدا أمامهما جنازة ، فقال شن : أترى صاحب النعش حياً أم ميتاً ؟ فتعجب الرجل من سؤاله ! لكنه لم يعقب 

رفض الرجل أن يترك شن  يقضي وحده  دون أن  يصحبه للبيت ،  وكان له ابنة تدعى : طبقة ، فلما دخل عليها أبوها ، حدثها بما دار بينه وبين مرافقه من حديث ، فقالت : يا أبتِ ما هو بجاهل ، أما قوله : أتحملني أم أحملك ، فإنما قصد بها أتحدثني أم أحدثك حتى نقطع طريقنا ، ولا نشعر بطول المسير ،

وأما قوله : أترى هذا الزرع أكل أم لا ؟ فإنما قصد بها هل باعه أهله ؛ فأكلوا ثمنه أم لا ؟

وأما قوله في الجنازة فقصده به هل ترك المتوفى ولدًا يحيا به ذكره أم لا ؟ ، ولما فطن الرجل لمقصد الكلام ، خرج إليه وقعد معه ، وأخبره بجوابها على أسئلته التي طرحها عليه ، فقال شن : ما هذا بكلامك ، فأخبرني من صاحبه ؟ ، قال الرجل : بنتي طبقة ، فلما استشعر شن رجاحة عقلها ، خطبها منه ، وزوجه الرجل إياها وحملها شن إلى ذوييه ، و لما خبروا عقلها ودهاءها قالوا : وافق شَنٌّ طَبَقَة .

الارتباط هو توافق أرواح و تفاهم عقول بالدرجة الأولى …

روح تعشق روحا أخرى وتأمن و تطمئن لها، في الحديث و الإنفعال و التعبير عن المشاعر دون حاجة  للتصنع … تأمن لها في المرض و عند نوائب الدنيا دون أدنى جزع …

ذلك الإحساس يأتي منذ أول وهلة و بغتة بتدخل إلاهي صرف ، نجهل تفاصيله عندما نلتقي بالشخص الذي هو أهل له … وهذا الأمان ، هو الشعور الوحيد الذي يستوجب ضنى الصبر والبحث …

عقل يستوعب الآخر من خلال حديثه حيث يفطن لقصده ، عقل يحتوي الآخر في جميع حالاته المتغيرة ، بل في المجمل بكل محاسنه و مساوئه الدائمة … فذلك من رجاحة العقل , ولعل ذلك ما جعل شن يتخذ طبقة شريكة حياته لأنه لمس أنها توافقه عقلا و روحا .

الارتباط هو توافق و تكافؤ إجتماعي كذلك … بمقدار نسبي , قد يكون مهما حينا عند بعضهم ، و قد لا يكون مهما في أحايين أخرى  …. 

الارتباط هو انصهار روحين مع  بعضيهما في قالب من المحبة و الإحترام قائم على التضحية و الصبر

عند الإقتضاء من كلا الطرفين , كل حسب قدرته و جهد تحمله فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها .

إنها ليست نتاج معادلة , إما زواج العقل أو زواج القلب … بل النجاح الحقيقي للزواج هو الذي يجمع بينهما . و يبقى السؤال المطروح  ….

هل مزال في مجتمعاتنا من يزن الأمور بميزان شن ؟ أم  حدث هناك إختلال في ترتيب الأولويات عند الإرتباط  ؟!

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)