“أماكن” تعدّد مغالطات دعاة التدريس بالفرنسية

أكدت الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم  “أماكن” على “ضرورة التريث في اتخاذ قرار مصيري سيرهن منظومة التربية والتكوين لعقود، وعلى ضرورة الاستناد في ذلك إلى دراسة علمية جادة تقوم بها مؤسسات مختصة وخبراء مشهود لهم بالكفاءة، وتخشى أن يؤدي التسرع إلى تبني توجهات لن تكون لا في صالح المنظومة ولا في صالح البلاد”.

 

قالت جمعية “أماكن” في بيان مطول توصلت شمس بوست بنسخة منه، إن “الكثير ممن ينادون اليوم بتدريس جميع المواد العلمية والتقنية باللغة الفرنسية، مع ترك المجال مفتوحا لتدريس مواد أخرى بهذه اللغة، يحيدون في الكثير من الأحيان عن المنهج العلمي بل منهم من يروج لمغالطات يعلم يقينا أنها غير صحيحة”.

 

 فشل التعريب

 

قالت “أماكن” أنه بعد 30 سنة من تدريس المواد غير اللغوية بالعربية لا يوجد في المغرب أي تقييم رسمي لهذه التجربة لمعرفة ما لها وما عليها، وفي غياب مثل هذا التقييم الموضوعي هناك من يسوق نتائج الباكلوريا في الشعب “المفرنسة” كدليل على تفوق “الخيار الفرنسي” في التدريس، وهذا مبرر مردود عليه نظرا بالخصوص للبون الشاسع في ظروف التعلم بين هذه الباكلوريا “النخبوية” والباكلوريا “الشعبية” والتي تقترب من ظروف التعلم في شعبة العلوم الرياضية التي تحقق نفس النتائج حتى في عز التعريب.

 

وفي المقابل هناك مؤشرات أخرى تؤكد “نجاح” التعريب بالمنطق نفسه الذي يتبناه دعاة “فشله”، تضيف الجمعية، مستشهدة بارتفاع نسبة الناجحين في الباكلوريا الذي بلغ 40 نقطة في ظرف 15 سنة والمعدلات العالية للنجاح التي تتجاوز 19 من 20 ترتفع معها عتبة الولوج إلى المدارس الكبرى والمؤسسات ذات الاستقطاب المحدود كل سنة.

 

وأوردت الجمعية معطيات عن النتائج المتدنية للتلاميذ في اللغات، قبل أن تتساءل، “كيف يمكن لمن لا يتقن العربية أن يتعلم بها المواد العلمية ويتقنها، والأمر أدهى وأمر بالنسبة للفرنسية التي يراد لها أن تكون لغة تدريس المواد العلمية والتقنية في جميع مستويات التعليم”.

 

العزوف عن العلوم في التعليم العالي يعود إلى التعريب

 

بخصوص عزوف الحاصلين على البكالوريا عن مواصلة دراستهم في المسالك العلمية والتقنية بالتعليم العالي، قالت “أماكن” أن التعليم العالي بالمغرب لم يعرب، وإلا ما كانت إشكالية الانسجام اللغوي بين الثانوي والعالي لتطرح، حيث تسود فيه الفرنسية باستثناء مسالك بعينها في الآداب أو القانون، مما يقلص عموما حظوظ غير المتمكنين من اللغة الفرنسية في التوجه إلى المسالك المدرسة بالعربية.

 

ومن جهة أخرى، يضيف البيان، فإننا لا نعثر في الدراسات الوطنية ولا الدولية على ما يؤكد هجرة الطلبة من المسالك العلمية إلى المسالك المعربة بسبب ضعفهم في اللغة الفرنسية. وإذا كان هذا الضعف مسلما به من طرف الجميع، وهو جزء من ضعف المنظومة كما ذكرنا، فإن طلبتنا يتكيفون مع هذا الوضع بغض النظر عن تخصصاتهم كمــا أكد ذلك تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي الصادر سنة 2018 بعنوان:”التعليم العالي بالمغرب: فعالية ونجاعة وتحديات النظام الجامعي ذي الولوج المفتوح”.

 

واستغربت الجمعية “ألا يحول تعريب المواد العلمية بالثانوي دون إقبال الطلبة على المسالك العلمية والتقنية بالمؤسسات ذات الاستقطاب المحدود، بل وتميزهم فيها إلى جانب قرنائهم الذين يذهبون لمتابعة دراستهم العليا في فرنسا نفسها، في حين يدعي دعاة فرنسة المواد العلمية أن هناك عزوف عن المسالك العلمية والتقنية في التعليم العالي”.

 

تكفي فرنسة التعليم لينصلح حاله

 

أبرزت “أماكن” أن جميع الدراسات العلمية تؤكد أن التدريس باللغات الوطنية هو السبيل الأمثل لتمكين المتعلمين من باقي المواد الدراسية بل وحتى لإتقان اللغات الأجنبية، لاعتبارات وجدانية ونفسية وبيداغوجية يطول شرحها، مؤكدة أن هذا أصبح من المسلمات اليوم لدى الباحثين في علوم التربية وفي اللسانيات على حد سواء.

 

وأضاف بيان الجمعية، أن جميع المنظومات التربوية التي توجد في المراتب الأولى في التقييمات الدولية، تدرس المواد العلمية في التعليم المدرسي بلغاتها الوطنية، كما تعطي حجما أكبر لتدريس لغاتها الوطنية مقارنة مع تدريس اللغات الأجنبية. ففي دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، يقول البيان، “يبلغ الزمن المدرسي المخصص لتعلم اللغات الأجنبية في التعليم الابتدائي فقط 5 بالمائة في المتوسط، أي ما يعادل ساعة ونصف أسبوعيا، ويتراوح هذا الحيز الزمني ما بين صفر في أستراليا وكندا إلى أربع ساعات في اللكسمبورغ. بينما يبلغ الزمن الأسبوعي لتدريس اللغات الوطنية في المتوسط سبع ساعات، ويصل في بعض الدول مثل فرنسا ما يفوق عشر ساعات”.

 

في المقابل، قال البيان إن “كل الدول التي تبنت اللغات الأجنبية في تدريس المواد العلمية والتقنية توجد في ذيل التصنيفات الدولية للمنظومات التربوية، كما أنها لم تتمكن من تحقيق أي تقدم علمي أو تنموي يذكر”.

 

وذكرت الجمعية، بعدم توفر المغرب على أساتذة مؤهلين بما يكفي لتدريس جميع المواد العلمية والتقنية باللغة الفرنسية، مؤكدة استنادا إلى معطيات الوزارة الوصية، أن مستوى معظم الأساتذة لا يخول لهم حتى التواصل بالفرنسية بشكل سليم، فبالاحرى التدريس بها.

 

كما أشارت الجمعية، إلى أن المواد التقنية تدرس باللغة الفرنسية في شعب التعليم التقني، ورغم ذلك لم يساعدها ذلك على التميز عن باقي الشعب التي عرفت تعريب تدريس المواد العلمية. مؤكدة أنه “كان حريا بمن يسارع الخطى اليوم نحو تبني التدريس باللغة الفرنسية أن يقوم بدراسة علمية لهذه التجربة أو يطلب من المجلس الأعلى إنجازها، ليستخلص منها الدروس ويبني قراره استنادا إلى معطيات موضوعية”.

 

وختمت جمعية “أماكن” بيانها، بإبداء تخوفها من أن يؤدي التسرع إلى تبني توجهات لن تكون لا في صالح المنظومة ولا في صالح البلاد، معبرة عن رأيها بأن “التناوب اللغوي القاضي بتدريس بعض المضامين أو بعض المجزوأت في بعض المواد العلمية والتقنية في التعليم الثانوي التأهيلي كفيل بأن يكون حلا مناسبا للوضعية التي يعيشها المغرب، في انتظار أن يحقق نهضته الشمولية في جميع الميادين، ويكون التعليم بالفعل قاطرة الارتقاء الحضاري المأمول في إطار خيارات وطنية غير مرتهنة لأي توازنات أخرى لا نملك بالضرورة مفاتيحها”.

 

ودعت الجمعية، نواب الأمة إلى طلب رأي المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في قضية لغات التدريس بصفته الجهة المختصة، علما أنه سبق أن أبدى رأيه في مشروع القانون برمته، وقالت أنه “كان أحرى بمجلس النواب أن يستحضر هذا الرأي احتراما للمؤسسات، لكن لمزيد من التوضيح ومن الدراسة المتأنية، لا ضير في أن يبدي رأيه بتفصيل أكثر في قضية لا زالت تشغل بال المغاربة”.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)