الثقافة والسياسة.. استحضار محن وبؤس الواقع من صميم ما يعطي للكتابة هويتها

ما زال الدكتور حميد تباتو، الناقد السينمائي، والباحث في قضايا الهامش والمهمشين، يرفض تحييد الثقافة، والسياسة، عن انشغالات اليومي الإنساني، طبعا بكل دراميته، وسياقاته المنتجة لمحن الواقع، وبؤس السياسة.

 

وفي هذا السياق نشر تباتو، في صفحته الفيسبوكية قائلا:” يُراد لحديث الثقافة والإبداع والبحث العلمي عادة أن يكتفي بنفسه، وأن يتحدث كلاما تجريديا عن عوالم الخيال وسحر الإبداع، وخصوصية الكتابة، وحياد البحث الأكاديمي بالمعنى الذي يقطع كل هذا عن الحقيقة الموضوعية التي تبدأ في قضايا الإنسان، ومدارات حريته، وديمقراطيته، وما يرفع صوته ويزكيه.

 

يبدأ حديث الثقافة الحق في السياسة والمجتمع وينتهي فيهما، لهذا يكون استحضار محن الواقع وبؤس السياسة من صميم ما يعطي للكتابة هويتها.

 

يَرْتَكِن التعيين الكسول للثقافة لقول الكتب عن الكتب، ويكون تعريفها الفعلي بناء على ما تتحدد به في شرطها التاريخي، وما تجيب عنه من احتياجات هذا الشرط، فيكون معناها الديموقراطي مرهونا بإنسانية الإنسان أولا وأخيرا.

 

هكذا تكون حرية الناس وعدالتهم وكرامتهم ومعيشهم الإنساني، وتقدمهم وانعتاقهم من الاستبداد، والاستعباد والظلم أهم ما يجب أن تنشغل به الكتابة الثقافية إبداعا كانت أم تنظيرا أم نقدا أم أشكالا من التفكير العقلاني، أم بحثا علميا.

 

أشياء عديدة تتلاطم في لحظتنا التاريخية الآن منها الاحتجاجات الفردية والجماعية، العفوية والمؤطرة للمواطنين بجغرافية المغرب في السنوات الأخيرة، وتغول المهيمن الاجتماعي، وإكراهه للكثير من مكونات المجتمع على الترويج لخطابه، ومنطقه، ويقينياته، ولمسلماته العامة المكرسة من موقع الهيمنة، التي تسيد علاقات سيطرته، وتعيد إنتاجها.

 

 

هنا يكون للثقافة دورها في نقض أوجه الهيمنة وأشكال الخضوع لها، ليس كما تفرضها أجهزة الدولة التي فكت ارتباطها مع خصائص الدولة بمفهومها المدني المتحضر والديموقراطي، باعتبار طبيعتها غير المحايدة منذ الأصل في الوجود المتخلف، لكونها التحمت بالمهيمن وسلطته، تحميه وتشرعن ما يقوم به حتى لو كان ذلك مناقضا لأبسط الأعراف والقوانين التي صاحبت نشأة وتطور الدولة بمعناها الحديث والعصري، بل كما تزكيه من موقع المهيمن، أطراف وبنيات وجهات ومؤسسات عديدة، حيث تعمل على إسناده وتبرير فعله، واقتراح ما يغمم الفهم الموضوعي لقهره المعمم انطلاقا مما نسميه إيديولوجيا التعمية التي من مميزاتها تحييد وظيفة الثقافة، والفن، والممارسة الإبداعية، والمعرفة العلمية من خلال تبرير حيادها، والتنظير لها والترويج لشبهة عضويتها كلما أرادت الإنصهار في قضايا الناس، واحتياجات سيرورة التحول الاجتماعي، ونداءات الواقع والتاريخ. إنه ما تقوم به تصورات عن الثقافة والفن والمعرفة العلمية من داخل تنظيرات، وإبداعات، وقواعد إبداع، وإطارات، ومواقع، وممارسات ثقافية يتم التبشير بها، أو طرحها باعتبارها قواعد مقدسة لأي فعل أو مبادرة في المجال، أو من خلال ما يروج له بصدد خصوصية الثقافة والمعرفة وحيادهما وما يليق أو لا يليق بأهلها إلخ.

 

كانت الثقافة ممارسة من صميم ما يترجم الدلالة السياسية وستبقى سواء عبرت عن ذلك بشكل مباشر أو خفي، أو تحققت بصورتها الفاعلة والحقيقية التي لا تعكس السياسي لأنها تتحدث عنه أو تستحضره، بل لكونها تراكم ما يخدم بشكل إيجابي الوجود والناس، كما كانت واقعة تؤسس لمعناها بالإنطلاق من الواقع وليس من ذاتها باعتبارها ثقافة.

 

 

لهذا يكون من استحضار هذا الواقع ومحن الناس فيه، وطرائق الإدانة الإبداعية لأشكال قمع مبادرات تغييره كما يحصل منذ مدة في مناطق مغربية عديدة، وصيغ مواجهة الاعتداء السافر على كرامة المواطنين، وتوثيق شهادات عنها، وفضحها بالكتابة، أو الغناء، أو السينما، أو المسرح، أو من داخل باقي حقول المعرفة والإبداع من صميم ما يعطي للتعبير الثقافي في وجودنا اليوم طعمه وانتسابه حتى لا تغطي قداسات المهيمن وإعلامه على جراح الواقع المفتوحة بسبب آلة سحق الكرامة والإنسانية كما تجسدت في تواريخ عديدة شاهدة على المحو السافر لكرامات المواطن. إنه المعنى الحقيقة لعلاقة الثقافة بالسياسة كما يشترطها واقعنا المغربي هنا والآن”.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)