المرزوقي يكتب: على هامش قضية”بعيوي والناصري ومن معهما” تعدد الجرائم في القانون الجنائي المغربي

يهتم أفراد أي مجتمع بالعقوبات المنتظَرة، عندما تكون الأفعال الإجرامية كثيرة ومتنوعة. ويحدُث ذلك خاصة في القضايا الكبرى التي يُتابعها الرأي العام. وهي نفس الوضعية الحالية ببلادنا، والتي تمت تسميتها بقضية “إيسكوبار الصحراء”، والتي هي في الحقيقة قضية “بعيوي والناصري ومن معها”.

إن المواطن/ة المغربي، كباقي أفراد المجتمعات الأخرى، بقدر ما يسمع عن تعدد الجرائم وكثرتها، بقدر ما يهمه البحث عن العقوبات المناسبة لها.

وسنعالج هنا مفهوم وأشكال تعدد الجرائم (أولا)، وتأثير هذا التعدد على العقوبات (ثانيا)، قبل التطرق إلى القانون الجنائي المغربي لتحديد تعدد الجرائم والعقوبات المفروضة عليها (ثالثا)، وحالات ضم العقوبات بنص صريح (رابعا). وإلى جانب ذلك، فإنه من المهم جدا، التذكير بأنواع العقوبات في القانون الجنائي المغربي (خامسا)، والتمييز بين المساهمة والمشاركة في الجرائم (سادسا).

بن يونس المرزوقي، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بوجدة

أولا: مفهوم وأشكال تعدد الجرائم

هناك صورتين لتعدد الجرائم:

أولا، هناك التعدد الصوري، والذي يتجسد في ارتكاب نفس الجريمة عدة مرات، مع نتيجة واحدة أو عدة نتائج مختلفة؛

ثانيا، هناك التعدد المادي، أي التعدد الحقيقي، والمتمثل في الوجود الفعلي لجرائم متعددة.

الصورة الأولى، تتجسد في وجود تعدد معنوي فقط، حيث أن بعض الأفعال الإجرامية تقبل عدة أوصاف، وبالتالي فإنها تخضع لمقتضيات قانونية متعددة. إننا أمام عنصرين: “وحدة الفعل وتعدد الأوصاف”.

إلا أن الأمر يتطلب التدقيق، لأنه هناك ثلاث حالات مختلفة:

– حالة الفعل الواحد الذي تترتب عنه نتيجة واحدة، من قبيل الضرب والجرح العمدي/محاولة القتل؛

– حالة الفعل الواحد الذي تترتب عنه نتائج متعددة لكنها متماثلة، كحالة قتل شخصين بفعل واحد؛

– حالة الفعل الواحد الذي تترتب عنه نتائج متعددة لكنها متنوعة، من قبيل قتل شخص وجرح آخر نتيجة فعل واحد.

أما الصورة الثانية، فتتجسد في تعدد مادي ناتج عن وجود عدة أفعال إجرامية.

إلا أن السؤال الأساسي يتمثل في مدى تأثير تعدد الجرائم على العقوبة؟

ثانيا: تأثير تعدد الجرائم على العقوبات

إن التساؤل يهم معرفة هل يتم ضم العقوبات أم لا؟

هناك بصفة عامة توجهان: توجه نحو عدم تشديد العقوبة، وتوجه نحو العقوبة الأشد.

التوجه الأول، يسير في اتجاه عدم ضم العقوبات لاعتبارات واقعية أو إنسانية، ونظرا لطبيعة بعض العقوبات، لذا، فإن تطبيق العقوبة الأشد يكون حلا ملائما، مع الأخذ بعين الاعتبار ما سنعالجه أدناه بخصوص صدور الأحكام من نفس المحكمة أم من محاكم متعددة؛ ووجود استثناءات يتم تطبيقها بنص صريح، مثلا العقوبات المالية، العقوبات الإضافية والوقائية، المخالفات كما سنرى.

وعلى العكس مما سبق، هناك توجه ثان، يعتمد ضم العقوبات كقاعدة.

فبخصوص التعدد المعنوي، هناك عدة نظريات، إلا أن أهمها هي نظرية تطبيق العقوبة وفق الوصف الأشد للفعل الإجرامي؛

أما بخصوص التعدد المادي، فإن السائد هو قاعدة عدم ضم العقوبات لاعتبارات متعددة:

قد تكون إنسانية، كأن تتجاوز العقوبة السالبة للحرية حياة الجاني؛

وقد تكون واقعية، كحالة الحكم بالإعدام مرتين، أو حالة السجن مع الإعدام؛

أو حتى أسباب اقتصادية تتعلق بتخفيف الأعباء المالية للدولة بخصوص تكاليف العقوبات السالبة للحرية.

هذا، ونشير إلى أن حالة التعدد المعنوي، ونظرا لوحدة الفعل وتعدد الأوصاف، فإن المشرع أسند لعدة جهاتٍ تحديدَ الوصف القانوني للجريمة:

فقد يتعلق الأمر بالنيابة العامة بناءً على محاضر الضابطة القضائية؛

وكذا، قاضي التحقيق بناءً على ما أسفر عنه التحقيق بالنسبة للأفعال التي تجري عليها مسطرة التحقيق؛

كما أن الطرف المدني كذلك مطالب بتحديد الوصف القانوني للأفعال موضوع شكايته إذا كان هو الذي أثار الدعوى العمومية.

وطبعا للمحكمة سلطة تغيير الوصف القانوني وتعليل ذلك عند دراسة القضية، وذلك وفق شروط ومساطر محددة، خاصة عند تغيير الوصف الأخف إلى وصف أشد.

ثالثا: حالة تعدد الجرائم والعقوبات المفروضة عليها القانون المغربي

خصص القانون الجنائي المغربي لتعدد الجرائم بابا يتكون من ست (6) فصول، من الفصل 118 إلى الفصل 123. وباستقراء هذه المقتضيات نُلاحظ ما يلي:

لقد اعتمد القانون المغربي حالة التعدد المعنوي أو الصوري في الفصل 118، من خلال التنصيص على أن “الفعل الواحد الذي يقبل أوصافا متعددة يجب أن يوصف بأشدها”؛

كما اعتمد القانون حالة التعدد الحقيقي من خلال تدقيق أوصافه: فوفقا للفصل 119، فإن “تعدد الجرائم هو حالة ارتكاب شخص جرائم متعددة في آن واحد أو في أوقات متوالية دون أن يفصل بينها حكم غير قابل للطعن”.

وقد عالج القانون الجنائي كل هذه الصور من خلال مقتضيات تفصيلية، من خلال الفصل 120 الذي يُفَصل حالة تعدد الجنايات والجنح، حيث أنه “إذا نظرت في وقت واحد أمام محكمة واحدة، يُحكم بعقوبة واحدة سالبة للحرية لا تتجاوز مدتها الحد الأقصى المقرر قانونا لمعاقبة الجريمة الأشد”،

إلا أنه:

– إذا ما صدر بشأن هذه الحالة عدة أحكام سالبة للحرية، بسبب تعدد المتابعات، “فإن العقوبة الأشد هي التي تنفذ”؛

– وفي حالة ما إذا كانت العقوبات المحكوم بها من نوع واحد، “جاز للقاضي بقرار معلل، أن يأمر بضمها كلها أو بعضها بشرط ألا تتجاوز الحد الأقصى المقرر في القانون للجريمة الأشد”.

رابعا: حالات ضم العقوبات بنص صريح

تتمثل الحالات التي تم التنصيص فيها صراحة على إمكانية أو وجوب ضم العقوبات، في الحالات الثلاث التالية (3):

1- حالة العقوبات المالية

إن العقوبات ذات الطابع المالي، يتم ضمها “سواء كانت أصلية أو مضافة إلى عقوبة سالبة للحرية، إلا إذا قرر الحكم خلاف ذلك بعبارة صريحة” (الفصل 121)؛

2- حالة العقوبات الإضافية وتدابير الوقاية

يتم ضم العقوبات الإضافية وتدابير الوقاية، في حالة تعدد الجنايات والجنح، ما لم يقرر الحكم خلاف ذلك بنص معلل (الفصل 122).

وللتوضيح، فإنه إلى جانب العقوبات الأصلية التي يحكم بها القاضي، وضع القانون الجنائي عقوبات إضافية، وهي سبعة (7): الحجر القانوني، التجريد من الحقوق الوطنية، الحرمان المؤقت من ممارسة بعض الحقوق الوطنية أو المدنية أو العائلية، الحرمان النهائي أو المؤقت من الحق في المعاشات التي تصرفها الدولة والمؤسسات العمومية، المصادرة الجزئية للأشياء المملوكة للمحكوم عليه بصرف النظر عن المصادرة المقررة كتدبير وقائي، حل الشخص المعنوي، نشر الحكم الصادر بالإدانة (الفصل 36).

أما التدابير الوقائية، فقد تكون شخصية (مثلا: الإجبار على الإقامة بمكان معين، المنع من الإقامة، الإيداع القضائي داخل مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية، الوضع القضائي داخل مؤسسة للعلاج، الوضع القضائي في مؤسسة فلاحية … (الفصل 61)؛

أو قد تكون عينية (مثلا: مصادرة الأشياء التي لها علاقة بالجريمة أو الأشياء الضارة أو الخطيرة أو المحظور امتلاكها، إغلاق المحل أو المؤسسة التي استغلت في ارتكاب الجريمة (الفصل 62).

3- حالة المخالفات

“ضم العقوبات لزومي دائما في المخالفات” (الفصل 123).

خامسا: أنواع العقوبات في القانون الجنائي المغربي

ولتنوير الرأي العام الوطني، بخصوص مختلف العقوبات الواردة بالقانون الجنائي الوطني، نُشير إلى أن العقوبات إما أصلية أو إضافية:

فتكون أصلية عندما يُمكن الحكم بها وحدها دون أن تضاف إلى عقوبة أخرى؛

وتكون إضافية عندما لا يُمكن الحكم بها وحدها، أو عندما تكون ناتجة عن الحكم بعقوبة أصلية (الفصل 14).

وتتدرج العقوبات الأصلية حسب خطورة الجريمة، إذ قد تكون جناية أو جنحة أو مخالفة:

– فبالنسبة للعقوبات الجنائية الأصلية، فإنها تتمثل في: الإعدام، السجن المؤبد، السجن المؤقت من خمس سنوات إلى ثلاثين سنة، الإقامة الإجبارية، التجريد من الحقوق الوطنية (الفصل 15)؛

– أما العقوبات الجنحية الأصلية هي: الحبس (أقله شهر وأقصاه خمس سنوات، باستثناء حالات العود أو غيرها التي يحدد فيها القانون مددا أخرى)، الغرامة التي تتجاوز 1200 درهم. (الفصل 17)؛

– أما بالنسبة للمخالفات (العقوبات الضبطية الأصلية)، فتتمثل في الاعتقال لمدة تقل عن شهر، الغرامة من 30 درهم إلى 1200 درهم (الفصل 18).

وإلى جانب العقوبات الأصلية، وضع القانون الجنائي عقوبات إضافية، كما أشرنا أعلاه.

سادسا: المساهمة والمشاركة في الجرائم

ومن بين المواضيع الهامة بهذا الخصوص، مسألة المساهمة في الجريمة والمشاركة فيها:

فالمساهم (Co-auteur) في الجريمة هو كل من ارتكب شخصيا عملا من أعمال التنفيذ المادي لها (الفصل 128)؛

أما المشارك (Complice) في الجناية أو الجنحة، فهو الذي لم يساهم Co-auteur مباشرة في تنفيذها ولكنه قام بأحد الأفعال الواردة بالفصل 129، والمتمثلة في الأمر بارتكاب الفعل أو التحريض على ارتكابه؛ أو تقديم أسلحة أو أدوات أو أية وسيلة أخرى استعملت في ارتكاب الفعل، مع علمه بأنها ستستعمل لذلك؛ أو تقديم المساعدة أو العون في الأعمال التحضيرية أو الأعمال المسهلة لارتكابها مع العلم بذلك؛ أو التعود على تقديم مسكن أو ملجأ أو مكان للاجتماع، لواحد أو أكثر من الأشرار الذين يمارسون اللصوصية أو العنف ضد أمن الدولة أو الأمن العام أو ضد الأشخاص أو الأموال مع علمه بسلوكهم الإجرامي.

هذا، ونُشير إلى المشارك في جناية أو جنحة يعاقب بالعقوبة المقررة لهذه الجناية أو الجنحة (الفصل 130).

بن يونس المرزوقي

أستاذ القانون العام بكلية الحقوق وجدة

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)