فاطمة أبرة..مناضلة النسيج في واحة فجيج المغربية 

مدرسة النهضة بفجيج

لا تتذكر فاطمة أبرة متى بدأت العمل على المنسوجات، لكن المؤكد لديها أنها بدأت صغيرة، بقصر زناكة بمدينة فجيج جنوب شرق المغرب.

 

فاطمة وهي في عقدها السابع، لازلت كلها حيوية وتطلع للحفاظ على إرث وتراث خلفه الأجداد في هذه الواحة القديمة.

 

تشتغل اليوم فاطمة كمشرفة على جمعية “النهضة” لتعليم صناعة المنسوجات بورشة تحتضنها مدرسة النهضة التاريخية، و يحدوها أمل كبير لتستمر هذه الصنعة بشموخ، كشموخ نخلات الواحة.

 

فاطمة وسيد المنسجات

 

السلهام، لباس تقليدي حافظ عليه المغاربة منذ القدم، و ارتبط في الذاكرة الجمعية بالنخوة و المركز الاجتماعي، إذ كان قديما لباس السلاطين و رجال الدولة، ومع مرور الوقت أضحى زيا تقليديا يحرص العديد من المغاربة على التزين به في المناسبات والأعياد.

 

ورغم تراجع الاقبال على السلهام، كما هو الشأن للكثير من المنسوجات التقليدية التي تواجه منافسة غير متكافئة من المنتجات العصرية، تصر فاطمة على المضي في نسجه وحبكته، وهي على كل حال لم تحترف منسوجا كما احترفت نسج السلهام.

 

تقول فاطمة لشمس بوست، أنها تعلمت هذه الحرفة على يد والدتها و إحدى جاراتها، كما هو الشأن للعديد من بنات جيلها، ليستقر بها المقام بعد عقود من النسج مشرفة ومعلمة في مدرسة النهضة.

 

هذه الصانعة كانت شاهدة على عصر زاهر للسلهام المغربي، عندما كان يسوق من واحة فجيج في اتجاه الدارالبيضاء و مراكش وعدد من الحواضر المغربية الكبيرة، بل وحتى خارج المغرب لأبناء الجالية المغربية المقيمين بالخارج.

لعل أكثر ما شد الرجال إلى هذا اللباس التقليدي، في الماضي والحاضر، كونه ينسج من مواد تقليدية تربطهم بالأرض، إذ تؤكد فاطمة أن كل ما تحتاجه والمتعلمات معها، لنسج السلهام يتحصلن عليه من الواحة، بداء من صوف الغنم، وحتى أدوات النسج الخشبية التي يتحصلن عليها من النخل وجريده.

 

وينسج السلهام كما تقول فاطمة “خيط بخيط”، في تأكيد على أصالة الصنعة، فلا يستقيم استعمال الآلات الحديثة في صنعه، حتى فصالته تتم بالاعتماد على مهارات أنامل نسوة الواحة.

 

منسوجات أخرى

 

الواقع أن دور فاطمة في هذه الورشة لا يقتصر فقط على تعليم نسج السلهام للفتيات المقبلات على هذه الصنعة، فواقع الحال دفع بها إلى تنويع المنسوجات التي تنتجها و تعلم إنتاجها.

 

صادف وجودنا في مدرسة النهضة، عمل إحدى صديقات فاطمة على نسج زربية بالطريقة التقليدية، رغم زحف الزرابي العصرية على البيوت المغربية إلا أن فاطمة ترى أن هناك من يجره الحنين دائما إلى ما هو تقليدي.

 

وتقضي صديقة فاطمة المتخصصة في نسج الزرابي، الساعات الطوال لتتحصل في النهاية على واحدة.

 

هو عمل مضن بلا شك لكن لا يدرك حلاوته إلا من قضى عمره وهو يداعب بأنامله الخيوط والمنسج، كما تفعل فاطمة وصديقتها.

 

إلى جانب الزربية والسلهام والطرز، منسوجات أخرى تنتجها هذه الورشة، كلها تصب في إتجاه تحقيق هدف واحد هو “الحفاظ على إرث الأجداد وصيانته من الاندثار”.

 

التسويق هو الحل

 

رغم تقدمها وصديقتها في السن، إلا أن فاطمة تبدي رغبة جامحة في المضي قدما بحرفة النسيج نحو بر الأمان.

 

شرطها الأبرز هو أن تساعدهن الجهات المسؤولة في إيجاد الأسواق، داخلية كانت أم خارجية لتسويق منتجاتهن، وفي ذلك ضمان لدخل يحفاظ على الحدود الدنيا لاستمرار هذه الحرفة.

 

وعلى عكس الكثير من الحرفيين، الذين غالبا ما يبدون تشاؤما مستقبل حرفهم التقليدية، تؤكد فاطمة أن هذه الحرفة بقليل من الدعم يمكنها أن تحافظ على مكانتها، بل وتنتعش وتعيد أمجادها الغابرة، وما وجودها حتى اليوم إلا دليل على امتلاكها مقومات الاستمرار.

 

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)