حديث الصباح..محمد امباركي يكتب..مدينة الألفية والدرجة الصفر من السياسة والتنمية!

بقلم: محمد امباركي، ناشط سياسي وحقوقي 

إن حالة “البلوكاج ” التي يعيشها المجلس الجماعي لمدينة وجدة، ليست ناتجة فقط عن صراع المصالح والمواقع بين “المكونات “المشكلة للأغلبية داخل المجلس والتي ينحدر أغلبها من أصول حزبية تمت صناعتها داخل مختبرات السلطة كأداة من أدوات مواجهة وحصار القوى السياسية والاجتماعية المناضلة، بل إنها نتاجا خالصا لشروط ولادة ونشأة ذلك المجلس في حد ذاته الذي – كما يقول المثل الشعبي ” خرج من الخيمة مايل”، سواء خلال النزال الانتخابي الذي تحكمت في إدارة دفته سلطة المال الحرام والحياد السلبي للإدارة الترابية، أو خلال تشكيل رئاسة المجلس واللجان الدائمة، حيث اتضح بالملموس منطق التحكم الشره عبر افتراس كل اللجان وتهميش مفضوح للمعارضة…

وهكذا ظلت حليمة مستمرة على عادتها القديمة من خلال محطات عديدة كان فيها الضحية الأولى والأخيرة هي ” مقصيو الداخل ” (les exclus de l’interieur) أي بسطاء وفقراء مدينة الألفية التي أصبحت تجتر معها شرا مزدوجا: الآثار الاجتماعية الوخيمة لإغلاق الحدود واستفحال مجالات ومظاهر التقهقر السوسيواقتصادي من جهة، ومن جهة ثانية تسلط نخب محلية “جائعة” على تدبير الشأن المحلي والجهوي وسعيها الدؤوب الى إعادة إنتاج نفسها في كل مرة وحين، وتحولت وجدة إلى قطب حقيقي في اللاتنمية أو بلغة أخرى إلى “الدرجة الصفر من التنمية والسياسة” ونالت الدرجة الممتازة في الفساد ونهب المال العام واللاتسييس ( Depolisation de la cité) ..

وهذا التشخيص ليس “عدميا”، بل تدعمه حجج قوية من قبيل إطلالة المجلس الجماعي على سنته الثالثة وكل البرامج والمشاريع معطلة نتيجة جدلية السلطة والبيزنس، حيث طفا إلى السطح صراع المصالح الأنانية والسباق نحو التموقع الأفضل في استراتيجية الاستفادة بشكل استباقي من ريع المشاريع المقبلة، وقد عبر صراع “اللوبيات ” هذا عن نفسه بوضوح خلال التصويت على مشاريع وبرامج ومقررات المجلس ، من قبيل : مشاريع الميزانية، برنامج الجماعة ..، صفقات التدبير المفوض (النقل، النظافة، المطرح العمومي…)، ثم الصمت المتواطئ مع لوبيات الريع والفساد فيما يتعلق بالباقي استخلاصه من عائدات ضريبة يتهرب منها “وجهاء المدينة “، مع العلم أن كل التقارير الرسمية وعلى رأسها تقارير المجلس الأعلى للحسابات، تلح على أن العدالة الضريبية القائمة على التكافؤ والشفافية، تعتبر من البوابات الأساسية لتنمية محلية ووطنية مستدامة وديمقراطية…

وفي هذا السياق المحلي”المحجوز” الذي زاده حجزا إحالة رئيس المجلس الجهوي للشرق على العدالة ارتباطا بشبكة الفساد المعروفة إعلاميا ب ” اسكوبار الصحراء”، خرجت إلى حيز الوجود مبادرة لوالي الجهة الشرقية عامل عمالة وجدة أنجاد، عبر برقية تدعو عضوات وأعضاء المجلس الجماعي إلى اجتماع دون أن تحمل تلك البرقية موضوع وجدول أعمال هذا اللقاء…لكن الأهم أنه خلال اللقاء الذي انعقد يوم الجمعة فاتح مارس 2024، تحول فيه السيد الوالي بقدرة قادر إلى محاضر في فن السياسة وإدارة التنافس بين “الفرقاء السياسيين”، وتصدير معيقات التنمية المحلية وتعطيل المشاريع نحو البيت الداخلي للمجلس، واكتفى الحضور بالإنصات “الجيد” اللهم بعض الأصوات القليلة التي تدخلت كي تسجل نقطة نظام حول الواقع المظلم والمؤلم لمدينة وجدة..

إذا كان هناك غياب لنص صريح يمنح الشرعية القانونية لسلطات الوصاية في شخص الوالي كي تتدخل لفك حالة البلوكاج هاته أمام ضعف بين ل “السلطة المنتخبة” قيادة وقاعدة، فمن حقنا أن نتساءل عن العديد من الملابسات المحيطة بهذه المبادرة: ماهي أسباب التوقيت المتأخر لهذه المبادرة؟ ألا يمكن القول أن الرهانات الخفية وراءها هي وضع السلطات الوصية خارج المسؤولية المباشرة عن “الفشل “التنموي” الذي تكابده مدينة الألفية مجالا وساكنة على صعيد النهوض الاقتصادي وإنعاش فرص التنمية في مختلف القطاعات الاجتماعية: الشغل، الصحة، التعليم، البيئة، في ظل موت” معلن للاقتصاد الحدودي” ومطاردة “الميكرو-تهريب” وسطوة “الماكرو-تهريب”،؟، ثم ما الداعي إلى استدعاء أعضاء وعضوات المجلس، في وقت كان حري فيه أن يستدعي الوالي النخب السياسية والمدنية لأن الفاعل السياسي لا يختزل في العضو، وذلك حتى يشكل اللقاء لحظة مكاشفة ومحاسبة تتجاوز نطاق الأزمة التي يتخبط فيها المجلس الجماعي وهي أزمة “تدبيرية وتدبرية” اي تدبير وتدبر المصالح والمواقع؟، وإذا كانت توجيهات الوالي غير ملزمة للسلطة المنتخبة، ما الذي جعله يقفز على حقيقة أن البرامج التنموية تشيد داخل المجالس المنتخبة المحلية والجهوية؟…

هي أسئلة عديدة تكشف حقيقة ساطعة وهي أنه لا يمكن لاستراتيجية تجويد خدمات المجالس المنتخبة أن تتحقق بالنجاعة المطلوبة، خارج إعمال المنطق الديمقراطي الذي يستوجب حدودا واضحة وفاصلة بين المسؤوال الترابي والمسؤول المنتخب، ويحول دون ان تنصب سلطة التعيين نفسها فوق المؤسسات المنتخبة، وذلك في إطار تفعيل حقيقي لمبدا ربط المسؤولية بالمحاسبة من خلال تقييم شجاع وشفاف لمختلف المشاريع والمبادرات “التنموية” المحلية التي ظل أثرها الاجتماعي محدودا للغاية ويطغى عليها الطابع الخدماتي والطفيلي وأولوية البحث عن التكلفة البخسة لليد العاملة والتهرب الضريبي وعدم احترام الحقوق الشغلية في حدودها الدنيا.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)