الطبيعة القانونية للتوظيف بالتعاقد

سفيان مشيشي/ طالب قانون

خلقت تصريحات وزير التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر و البحث العلمي سعيد أمزازي الأخيرة، جدلا واسعا حيث أشار فيها للشروع في تطبيق مسطرة ترك الوظيفة، متهما من خلالها أعضاء التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، بعرقلة السير العادي للمرفق العام.

 

و صرح في ندوة صحفية مساء الأربعاء “هذه التنسيقية أوقعتنا في وضع يخل بالسير العادي للمرفق العام، وهذا يتنافى مع المصلحة العامة، وحق التلاميذ في التمدرس”، بل و اتهم المنسقين بترهيب باقي الأساتذة الذين قرروا العودة للأقسام حيث قال “إن الذين يعرقلون السير العادي للدراسة، ويمسون بحق التلاميذ في التمدرس، ويضرون بالمصلحة العامة، تم الشروع في عزلهم” مشيرا إلى أن هذا العزل سيكون من طرف مديري الأكاديميات.

 

مما يجعلنا نتساءل عن الطبيعة القانونية لهذا التعاقد، وعن مدى قانونية ما صرح به الوزير في الشروع بتطبيق مسطرة ترك الوظيفة بالنسبة لأساتذة التنسيقية ،و القانون المؤطر لهاته الإجراءات.

 

قبل أن نغوص في الطبيعة القانونية لعملية التوظيف بموجب عقود، لزاما علينا الإلتفات إلى السياق الذي جاءت فيه هاته العملية، رجوعا إلى تنزيل ما سمي بالميثاق الوطني للتربية والتكوين، الذي تحدث عن اللامركزية و اللاتمركز، التي شكلت اللبنات الأولى للتمهيد لعملية التوظيف بموجب عقود، إذ فصل الميثاق الوطني للتربية والتكوين اللامركزية، خاصة في تفويت جزء كبير من اختصاصات الإدارة المركزية للأكاديميات الجهوية للتربية و التكوين، ومنها “تدبير الموارد البشرية” باعتبارها كما قيل في البداية أنها جاءت لتيسير وتبسيط المساطر، و الإقتراب و الإنفتاح على المحيط السوسيوإقتصادي، والتي انطلق منها كذلك الحديث عن الجهة كممول ومدبر للموارد المالية.

 

بدوره كان البرنامج الإستعجالي جد واضح في الحديث عن العمل بالعقدة، إذ اعتبر موضوع الموارد البشرية عنصرا مركزيا في بناء نسقه، من خلال معالجته بقوانين وتشريعات جديدة مغايرة تماما لنظام الوظيفة العمومية و النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية لا فيما يتعلق بطريقة التوظيف ولا كذلك المهام الجديدة والساعات الإجبارية المضافة.

 

حيث أشار في الصفحة 50 نموذجا “وسوف تتم مراجعة أشكال التوظيف، إذ ستجري على مستوى كل أكاديمية على حدة وفق نظام تعاقدي على صعيد الجهة” لنخلص لكون نظام التشغيل في المخطط الإستعجالي محكوم بمنطق إقتصادي/مقاولاتي/تدبيري/تقني هاجسه إداري محض، كما قدم صيغة لتنزيل الميثاق الوطني للتربية والتكوين، في المادة 135 التي نصت بالواضح والملموس على اللجوء إلى مسألة التعاقد مع المدرسين، بالإضافة لترجمة طموح القانون 07/00 المنشئ للأكاديميات الجهوية، حيث فصل أن هذه الأخيرة ستلجأ للتوظيف بموجب عقود.

 

إن التخطيط لخيار التوظيف بالتعاقد لم يقتصر فقط على قطاع التعليم، ففي سنة 2010، تم تعديل المادة 105 من ظهير 1958 المتعلق بالنظام الأساسي للوظيفة العمومية، بالشكل الذي يسمح فيه للإدارات العمومية اللجوء للتوظيف بنظام التعاقد، كما جاء في بلاغ رئاسة الحكومة يهدف التعديل إلى تحديد شروط وكيفيات التشغيل بموجب عقود بالإدارات العمومية، دون أن يترتب عن هذا التشغيل في جميع الأحوال ترسيما للأعوان المتعاقدين بالوظيفة العمومية، كما ينص الفصل 6 المكرر من الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر في 4 شعبان 1377 (24فبراير1958) بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية حسب ما وقع ما تغييره وتتميمه لاسيما بموجب القانون 50.05 .

 

أما اللب القانوني للتوظيف بموجب عقود، فإن العقد هو اتفاق ارادتين أو أكثر على إحداث آثار قانونية تتمثل في إنشاء الإلتزام، حيث أن للشخص كامل الحرية في إبرام العقد، ويمكن تصنيف عقد التوظيف المبرم بين الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين والأساتذة المعنيين من عقود الإذعان، التي يفرض فيها أحد المتعاقدين شروطه المعدة سلفا على الطرف الآخر دون مناقشة أو تفاوض، في غياب تام لمبدأ سلطان الإرادة شكليا، أما من ناحية الموضوع فإن العقد شريعة المتعاقدين فمادام أن الطرف الضعيف قد وافق على العقد، فهو ملزم به ولا يحق له طلب شروط جديدة إلا بموافقة الطرف الآخر، سواء كان العقد عقد إذعان أم لا.

 

و من المفارقات الغريبة، أن ذات الوزارة صرحت بأنها قامت بتعديلات همت إسقاط آلية التعاقد، حيث أصبح الأساتذة المعنيون أطرا للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، لتصرح بعد أيام معدودة أنها ستشرع في طرد الأساتذة المضربين، ضاربة عرض الحائط كل الضمانات التأديبية، المنصوص عليها في النظام الأساسي للوظيفة العمومية، خصوصا الفصل 75 مكرر الذي نظم مسطرة ترك الوظيفة بالنسبة للموظف العمومي المنقطع عن عمله عمدا، باستثناء حالات التغيب المبرر قانونا ومنها حالة الإضراب المكفول دستوريا بمقتضى الفصل 29، كما أن المشرع لم يتدخل لتحديد المدة القصوى للإضراب مما يجعلها متراخية في الزمن، إذن نخلص إلى أن تصريحات الوزارة، لا يمكنها أن تكون قانونية في أي حال من الأحوال، اللهم إذا عادت حليمة لعادتها القديمة برجوعها للعقد الأولي المليء بعبارة يفصل بدون إشعار أو تعويض.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)