كلمة في تأبين 20 فبراير

تنبيه هام: هذا مقال حزين يبعث على الحسرة ويسبب الغصة.

إنها ذكرى الميلاد، لكن لها وقع كذكرى التشييع.. ولا أدري أيهما أكثر إيلاما؟ لعلها ذكرى التشييع.. أخبرني صديق ذات مرة أن أُماً يعرفها فجعت في وحيدها الشاب، قال بثقة: لو علمت أنها ستفقده لما أنجبته.. ربما الأمر صحيح.. فمرور ذكرى ميلاده ستكون بلا ريب أشق عليها من ذكرى وفاته.
هكذا نحن اليوم نتذكر فقيدنا -حراك ال 20 من فبراير2011- في ذكرى مولده بعظيم الأسى والانكسار، دعك ممن يقول إن الحراك مستمر لم يتوقف بل هو فقط يراكم المحطات. أنا أيضا أقول كلاما مشابها دون أن أعنيه حقا، ثم إنني في مقام النعي لا يصح أن أقول كلاما مماثلا.
أكانت مزحة؟ فرصة للتنفيس سُمح لنا بها.. إشباعا لرغبة جامحة في تقليد أمر دارج يبدو مثيرا وجاذبا.. هامشا لتلبية الحاجة للشعور بالعظمة المزيفة والتأثير الخادع.. إيهاما لنا بالمشاركة في تحديد المصير ووضع شروط الاستمرار؟
مهلا دعك من تلك الجملة: أنتم الشباب لا تفهمون شيئا، تخفى عليكم الكثير من التفاصيل والحقائق وحوادث الزمان إلى آخر هذه الكليشيهات المكررة. أنا أتحدث هنا عما نعرفه نحن.. عما نشعر به.. ما تعرفونه أنتم وتكتمونه، أو تتظاهرون بمعرفته لتتباهوا بعلو كعبكم وامتلاككم الحكمة، أو لتبرروا مواقفكم المتهاونة لا يعنينا الآن.
فعلا كنا أغِرَة.. نحن الشباب.. صدقنا الأمر ببساطة: نحن الجيل الذي عابوا عليه كل شيء.. سنحررهم. حسنا دعك من التفاف جميع الفئات حول الحدث، نعم كان نضالا جماعيا لكن لا أحد يمكنه أن ينكر أن الشباب استعاد المبادرة، وعلى غرار ما حدث ويحدث لدى جيراننا يجب أن نتولى نحن زمام الأمر. وقعنا في سحر جملة لصاحبها الكهل: “كنا نحن جيل المحاولة، ويجب أن تكونوا أنتم جيل النجاح”.
دعك مما أردناه ومما تحقق.. أحاول أن أصور لك ما أحسسناه ونحن نرى حالة الانفعال والإثارة التي كنا نتابعها مباشرة على الفضائيات تنتقل لشوارعنا.. قريبا جدا منا.. ونحن من يؤثثها ويصنع بطولاتها، إنه صمود ميدان التحرير وعنفوان شارع الحبيب بورقيبة يتكرر في شوارع مراكش والبيضاء والرباط وطنجة ووجدة.
أما عن الثقة التي امتلكناها فكأنما نحن خلق آخر بعث للتو، أدركنا حجم قوتنا، تحرر صوتنا وهتفنا نُسمع الجميع كلمتنا، والأهم هزمنا خوفنا.. أو هكذا اعتقدنا على الأقل.
كانت الجموع صوتا واحدا وقلبا واحدا مشهد بانورامي بديع! دعك مما قد يحدث في تجمعات بشرية بهذا العدد من احتكاكات ومناوشات صغيرة، طيب سأعترف أيضا بوجود صراع بين التيارات على الأرض.. لكن مع ذلك كان الحب هو الغالب هو الموجه.. كنا نرى سبيلا ممهدا نحو مغرب مختلف.. لم نحدد تماما كيف سيبدو وكيف يمكننا أجرأة تلك المطالب في الواقع، لكننا كنا نعرف أنه سيكون وطنا حقيقيا. ربما يشبه أوروبا النموذج “النظيف” والوحيد الذي نعرفه والذي نُعيِر به أنفسنا طوال الوقت.
اعتقدنا في أنفسنا الخير المطلق، وخرجنا لنواجه الشر والفساد الخالص هكذا بكل بساطة، معركة الخير والشر المحكومة نتائجها سلفا.. الخير يغلب في النهاية. أخطأنا إذ حسبنا أننا لاعبون رئيسيون في حين لم نكن أكثر من متفرجين لا نملك أكثر من التشويش على حفلة الفساد للحظات، وتأجيل بعض النهب حتى حين.
دعك كذلك من مآلات احتجاجات الجيران، فساعتها لم يبرز العسكر أنيابهم في مصر بعد، أما الكابوس السوري فكان حتى تلك اللحظة حلما مزعجا فقط.. وفي جميع الحالات كنا نجاهر بأننا سنتحمل كأي شعب حر نتائج قرارنا بالخروج للشارع -شرط ألا تصيبني أنا، يقول جميعنا في سره-.
دارت الدوائر.. وكأي أمر نلتف حوله، نراهن عليه ونسعى له ونبدل في سبيله ضاع وخفتت شرارته.. دعك من تلك المؤاخذات العقيمة حول الأسباب والحيثيات لأن أسوأ ما حصل اليوم هو حالة انسداد الأفق التي نعيشها. لقد فقدنا الأمل بالتغيير عن طريق الاحتجاج، كما فقدناه سالفا في العمل السياسي والمؤسساتي وما تبقى من خيارات لا يبدو مشجعا..
دعك للمرة الأخيرة من كل شيء إنه جلد للذات وبكائيات غير ذات نفع، لعلك تفضل الانتقال لمتابعة أكثر الفيديوهات مشاهدة على اليوتيوب يقال أن هناك دائما فضيحة طازجة.

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 3 )
  1. Souad :

    الاخت فاطمة الزهراء..كتبت فأبدعت و افدت..!
    شكرا على هذه المقاال..و مسيرة موفقة انشاء الله

    0
  2. Souad :

    مسييرة موفقة بإذن الله..

    0
  3. جواد :

    مسيرة موفقة باذن الله

    0

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)