ما نعيشه نحن المغاربة هذه الأيام، شيء كبير وعظيم وعميق جدا، لا يجب أن نستسهله أو نحتقره

 

إن منتخبنا وصل لنصف نهاية كأس العالم لكرة القدم، نعم إنها حقيقة تفوق كل خيال، وبصدق من منا حدثته نفسه، حتى من باب الحلم، أن يصل منتخبنا إلى ما وصل إليه.

شخصيا وإن كنت من هواة كرة القدم، ممارسا ومتابعا، شعرت بأن اسناد مهمة تدريب المنتخب لإطار وطني مشهود له بالكفاءة، ومن الجيل الجديد من المدربين، ستكون فاتحة خير على كرة القدم الوطنية، وقد عبرت صراحة عن توقعي بالوصول إلى نهاية كأس العالم، في إحدى جلسات مناقشة قانون المالية، قبل انطلاق كأس العالم.
وهي مناسبة لأجدد التقدير الكبير لكل من ساهم في هذا الانجاز الكبير من جامعة لكرة القدم وعلى رأسها الوزير فوزي لقجع وجمهور رائع مساند وبقوة ..

وقُدّر لي أن أتابع مباراة منتخبنا في ربع النهائي، والتي جمعتنا مع البرتغال، من مدرجات ملعب الثمامة، وبالمناسبة أحب أن أؤكد بأني تحملت مصاريف تنقلي، ايمانا مني بأن هذا الأمر شخصي، حتى وإن حاولت أن أكون ممثلا لمجموعتنا النيابية ولحزبنا.

متابعتي للمباراة التاريخية لمنتخبنا من مدرجات الملعب هناك في قطر، جعلتني أعيش لحظات ملهمة، لا يمكن أن تمحى من الذاكرة، بل ستكون لها أثارا طبية في المستقبل.

لقد تتبعت، سواء داخل الملعب أو خارجه، مظاهر انبعاث تضامن عربي واسلامي وافريقي مع منتخبنا، تكاد تكون غير مسبوقة، وشاهدت كيف أن الجماهير ما إن تتعرف على أي مغربي، حتى تسارع للسلام عليه، وتهنئته، والتعبير له عن مساندة المنتخب الوطني، وتشجيعه، وتنمي الفوز له.

شاهدت كذلك كيف أن الشوارع والتجمعات، تعرف رفع الأعلام المغربية بكثافة، ومن الجماهير العربية من أخبرني بأن الأعلام المغربية نفذت من مناطق البيع، لأن الاقبال عليها كان كبيرا.

لقد عشت في الساعات القليلة التي قضيتها في قطر، والتي أريد بالمناسبة أن أهنئ كافة مسؤوليها، على التنظيم الرائع العالي المستوى، -عشت- مشاعر الانتماء للأمة الاسلامية والعربية ولإفريقيا، ولاحظت هذه المشاعر بادية وواضحة على محيى الجماهير الحاضرة، وشاهدت مظاهر الاعتزاز والافتخار بهذا الانتماء، ربما كل ذلك ليس كرها في الغرب، ولكن لما عاشته أمتنا من معاناة، ومن تعطش للانتصار، وجدته في ما حققه منتخبنا الوطني.

وطبعا هذا لم يتحقق فجأة ولا اعتباطا، ولكن بفعل تميز منتخبا على جميع المستويات، ليس فقط على المستوى التقني لكرة القدم، الذي أبدع فيه مدربنا الوطني ولاعبوه، ولكن كذلك بالمظاهر المصاحبة لهذا الابداع والتميز، وفي صلبها القيم الكبيرة والنبيلة التي يدعو لها ديننا الحنيف ويحث عليها.

ومن هذه المظاهر سجود اللاعبين لله تعالى شكرا عقب كل انتصار، وكذا من خلال اصطحاب أمهاتهم وأفراد أسرهم والاحتفال معهم، وحضور العلم الفلسطيني في الاحتفالات، ومظاهر أخرى تبدو بسيطة في التعبير عنها، لكنها عميقة جدا في ميزان الاسلام، منها على سبيل المثال، عبارة “ديرو النية”، التي تختزل معان كبرى في التسليم لله تعالى وطلب عونه وتوفيقه.

وهناك ملاحظة جديرة بالاثارة في غمرة ما يحققها منتخبنا من انتصارات، وهي كون أغلب لاعبيه من مغاربة العالم، ومنهم من ولد وترعرع في دول أوروبية، ومع ذلك ساهموا في اظهار القيم النبيلة التي أشرت إليها، ومنهم من بات رمزا لها، وفي هذا انعكاس لحجم التأطير الذي تتلقاه جاليتنا بالمهجر، والذي يستحق كل مسؤول عنه التحية والتقدير عليه، بحيث أظهر لاعبونا صورة مغايرة تماما للصورة التي يحاول البعض الصاقها وتعميمها على الجيل الثاني والثالث من أفراد جاليتنا بالمهجر.

طبعا ونحن نواصل الاحتفاء والاحتفال بمنتخبنا، لا ننسى أن عملا كبيرا ينتظرنا، ويجب أن نستجمع قوانا كلها، ونتناسى بعض خصوماتنا السياسية، لكي نستثمر هذه الروح التي سرت بيننا كمغاربة، وبيننا وبين أشقائنا العرب والمسلمين والأفارقة، لكي نواجه التحديات التي تواجهنا في مجالات مختلفة على المستوى الداخلي، ليس فقط على المستوى السياسي والتعريف بالمغرب، وانما إعادة التعريف بالنموذج الحضاري لبلادنا، والتعريف بالتاريخ المجيد لأمتنا، للنهوض بها بما يرفع رأس المغرب والعرب والمسلمين بين باقي الأمم.

أرجو الله تعالى أن تكتمل هذه الفرحة بالتتويج بكأس العالم، ما دام منتخبنا قد وصل إلى هذا المستوى من الابداع ومن الجدية والانضباط، وما دام قد بلغ نصف النهاية.. نعم نصف نهاية كأس العالم… يا له من انجاز كبير يستحق كل من ساهم فيه من قريب أو من بعيد الاحترام والتقدير.
عبد الله بووانو رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، عبر صفحته الرسمية على الفيسبوك

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)