AMDH ترسم صورة سوداء للمستشفى الجامعي بوجدة وتطالب بالتحقيق في “شبهات الفساد”

 

أصدر أخيرا فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بوجدة، تقريرا مفصلا عن واقع المستشفى الجامعي بوجدة، وما اعتبره التقرير اختلالات بهذه المؤسسة الاستشفائية.

 

وكشفت الجمعية في بداية تقريرها الذي يتوفر شمس بوست على نسخة منه، أن التقرير جاء بعد التحري والتقصي في المعطيات التي تم تداولها إعلاميا وبعد بيان المكتب المحلي للنقابة الوطنية للتعليم العالي بكلية الطب والصيدلة بوجدة، على واقع المستشفى.

 

وكشف التقرير أنه في إطار إعمال المنهجية التي إعتمدها تمت مراسلة مدير المؤسسة الاستشفائية بغرض عقد لقاء معه حول ما نشر، غير أنه لم يستجب لطلب الجمعية التي تتوفر على صفة المنفعة العامة.

 

اختلالات إدارية

 

في مقدمة ما تصفه الجمعية “إختلالات إدارية” سجلتها في تقريرها، “ضعف تدبيري وتواصلي للمدير العام للمستشفى الجامعي، نجد مثاله البسيط في عدم التجاوب مع المراسلات والشكايات والملاحظات المقدمة من مجموعة من العاملين بالمستشفى، وعدم رده على هذه المراسلات في الآجال القانونية المطلوبة، احتراما للقانون” يقول التقرير.

 

وأيضا “غياب هيكلة استشفائية ضامنة لفعالية أكبر وجودة في خدمات المستشفى بكل من : مستشفى التخصصات، مستشفى الأم والطفل، مستشفى الامراض  النفسية والعصبية، مستشفى الحسن الثاني لأمراض السرطان (الانكولوجيا)”.

 

كما يورد التقرير في هذا الجانب “توفر المستشفى الجامعي منذ تشييده سنة 2014 على مصلحة واحدة للإنعاش والتخدير، وهو ما يشكل استثناء وطنيا بالمقارنة مع باقي المراكز الاستشفائية الجامعية عبر الوطن، وهو ما فتح المجال أمام نوع من البيروقراطية والهيمنة أدت في الكثير من الأحيان إلى تعطيل عمل مجموعة من الأساتذة الأطباء وبالتالي حرمان مجموعة من المواطنين والمواطنات من حقهم في العلاج”.

 

وأشار التقرير في الجانب الإداري دائما إلى “غياب مصلحة خاصة بجراحة القلب والشرايين (حاليا مدمجة مع مصلحة الأمراض الصدرية)، التي  من شأنها أن تساهم في الاستجابة لحاجيات المواطنين، وتأمين أكبر لحقهم في الاستفادة من هذا التخصص الهام والحيوي خاصة العمليات الجراحية ذات التكلفة الباهظة الثمن بالمصحات الخاصة، بحيث أن لوازم العملية الجراحية الواحدة تتطلب أكثر من 10000 درهم كما يؤكد ذلك ذوي الاختصاص”.

 

وأضاف في عرض الملاحظات التي رصدها “عدم انعقاد المجلس الإداري للمستشفى الجامعي منذ سنة 2019، الذي من المفروض أن ينعقد مرتين في السنة، وله مهام مهمة في تسيير وتدبير المركز الاستشفائي كما يحدد ذلك القانون 70 -13 المتعلق بالمراكز الاستشفائية الجامعية، الشيء الذي فسح المجال أمام عمل غير مؤسساتي وانفراد المدير العام بالتسيير والتدبير وتغييب المقاربة التشاركية،  مما ساهم في تفاقم الاختلالات الإدارية والمالية وتعثر تسييره بالشكل الجيد والمطلوب”.

وأشار التقرير إلى وجود “عشوائية في تدبير وتسيير الصيدلية العامة بالمستشفى (تقدر ميزانيتها حسب المعطيات المتوفرة لدينا بين 15 و 20 مليار سنتيم)، حيث أقر جميع المشاركين في اللقاءات التشاورية على أن هناك العديد من المعدات والأدوية التي انتهت مدة صلاحيتها، والتي تم التخلص من كميات كبيرة منها في الشهور الماضية، وهو ما يشكل تبديدا للمال العام وحرمان لمرتفقي المستشفى من هاته المعدات والأدوية، وتركهم عرضة لمضاربات الشركات العاملة في المجال”.

 

وفي السياق نفسه أكد التقرير “غياب لجنة الأدوية بالمستشفى منذ أكثر من سنتين، وهي المكلفة بضبط السياسة الدوائية للمستشفى”.

 

و غياب مكلف مختص بوحدة تعقيم المعدات الطبية، على غرار ما هو معمول به في باقي المستشفيات “وضعف المراقبة بها، مما نتج عنه تسجيل الكثير من حالات سرقة المعدات الطبية الخاصة بالمستشفى أثناء عملية تعقيمها (تقدر بمبالغ مالية مهمة)، وكذلك معدات خاصة ببعض الأطباء، كل هذا دون فتح تحقيق وتحديد المسؤولين عن هاته الأعمال، ورجح البعض احتمال وجود شبكة بالمركز الاستشفائي تنشط بهذا الخصوص”.

 

وأشار التقرير إلى وجود “شبهات بالفساد وسوء التدبير في العديد من الصفقات  العمومية، ومنها ما تم خلال مرحلة تدبير جائحة كوفيد 19، خاصة وأن المستشفى الجامعي تلقى دعما ماليا مهما خلال هاته الفترة من إحدى المؤسسات العمومية”.

 

خلاصات حول الممارسة الطبية

 

أكد التقرير أنه وقف من خلال نتائج البحث على مجموعة من النواقص والاختلالات التي تعتري الممارسة الطبية بالمركز الستشفائي الجامعي بوجدة، في مقدمتها “عدم توفر المستشفى على أبسط المعدات الطبية مثل القفازات التي لا يتجاوز ثمنها ثلاث دراهم بأسعار الجملة و محاليل طبية (Bitadine، ومشارط جراحية…وغيرها، والتي تتم كتابتها ضمن الوصفات الطبية التي ترهق جيوب المواطنين وبتعليمات من إدارة المستشفى كما من بعض الاساتذة الالتجاء إلى المحسنين لاقتناء لوازم العمليات الجراحية رغم ضخامة الميزانية المرصودة للمستشفى، مقابل اقتناء معدات بأثمنة باهضة غير ضرورية ولا يتم استعمالها مثل : Robot de Pharmacie، جهاز تفتيت الحصى، جهاز  neronavigati …”.

 

وأشار التقرير إلى “عدم توفر مصلحة جراحة القلب والشرايين على مركب جراحي خاص كما لا تتوفر على مجموعة من الأجهزة والمعدات الطبية المستعملة جراحيا، رغم طلبها من إدارة المستشفى وبالرغم من أن توفيرها ممكن بالنظر إلى الحجم الكبير لميزانية المستشفى، ويبقى المتضرر الأول من هذا التدبير هو المواطن بسبب تقليص عدد العمليات الجراحية”.

 

مصلحة الأشعة

 

ويورد التقرير وجود “اختلالات في مصلحة الأشعة، بحيث تشهد المصلحة تراكم المواعيد وطول مددها بالنسبة للمواطنين وبيروقراطية تعوق تسهيل ولوجهم لخدمات المصلحة”.

 

 كما تشهد المصلحة وفق نفس المصدر “ضعف كبير في فحوصات سرطان الثدي بحيث تجري فقط ثلاث أو أربع فحوصات في الأسبوع، عوض 10 أو 15 فحصا في اليوم. كما وقفنا على عدم تشغيل المصلحة لإحدى آلات الكشف المبكر المتطورة منذ اقتناءها (Multicare)”.

 

ويورد التقرير أيضا في نفس الإطار “عدم تشغيل قسم الأشعة بمستشفى الأم والطفل رغم جاهزيته، والذي من شأنه المساهمة في تخفيف الضغط على المصلحة، وذلك لأسباب مجهولة ودون مبررات معقولة وموضوعية من طرف إدارة المستشفى”.

 

مستشفى السرطان

 

وعلاقة بمستشفى السرطان، يؤكد التقرير أن ظروف العمل فيه غير مناسبة (بناية مهترئة ومكاتب بئيسة للأطباء والاساتذة)، وحرمان طلبة الطب من مواكبة وتأطير الاساتذة في هذا التخصص المهم، وتعطل بعض معداته الأساسية مثل آلة التنفس الاصطناعي التي تعطلت لأزيد من سنتين دون إصلاحها إلى حدود نشر هذا التقرير، واستعانة المستشفى بأحد المحسنين الذي استطاع توفير الآلة المطلوبة. فهل يعقل أن ترتهن مؤسسة صحية عمومية الالتفاتات البر والإحسان؟ مع العلم ان الادارة تقوم في المقابل بإبرام صفقات حول معدات باهظة الثمن” يقول التقرير.

 

عمل ومضايقات

 

ويورد التقرير  “عدم تقنين وضبط عمل الأطباء في القطاع الخاص، وهو ما يفسح المجال أمام إهمال بعض الأطباء لواجبهم المهني داخل المستشفى لحساب العمل في القطاع الخاص”.

 

كما يتحدث التقرير عن مضايقة عمل الكثير من الأساتذة  من طرف إدارة المستشفى، “مما يعوق تأدية نشاطهم المهني بأريحية وإبداعهم في تأدية الواجب المهني، خاصة وأن لهم مهام متعددة، تتنوع بين علاج المرضى وتأطير الطلبة والتدريس بالكلية والبحث، وهو ما أدى إلى فقدان المستشفى الجامعي بوجدة للكثير من الكوادر الطبية التي اختارت إما الهجرة خارج الوطن أو الانتقال إلى مدن أخرى أو اختارت العمل لحسابها الخاص”.

 

 التوصيات

 

أوصت الجمعية، في نهاية تقريرها بـ”ضرورة التدخل العاجل لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، للوقوف على مجمل الاختلالات التي يعرفها المستشفى الجامعي بوجدة، وترتيب المسؤوليات لضمان سير ناجع وجيد لهاته المؤسسة الصحية البالغة الأهمية”.

كما أوصت بـ”ضرورة فتح تحقيق من طرف المجلس الأعلى للحسابات وكذا الوزارة الوصية وهيئات الحكامة، بخصوص الشبهات التي اعترضت الصفقات العمومية للمستشفى، وخاصة في فترة تدبير جائحة كوفيد 19، مع ضرورة الاستماع لكافة المتدخلين”.

 

كما طالبت بـ”التعجيل بعقد المجلس الإداري للمستشفى، مع التأكيد على ضرورة تحمل المسؤولية في ذلك من طرف كل من، رئيس الحكومة، و وزير الصحة والحماية الاجتماعية، و والي الجهة الشرقية…، من أجل الوقوف على حجم المشاكل المتراكمة ومعالجتها”.

 

كما أوضت بـ”ضرورة تقنين العمل في القطاع الخاص وتشديد الرقابة في ذلك، بما يضمن السير الفعال والجيد للمستشفى باعتباره مرفقا عموميا حيويا”.

 

كما أوصت بـ”التسريع بمراجعة شاملة لعمل الصيدلية العامة بالمستشفى، ووقف نزيف تبديد المال العام الذي تسبب فيه التسيير العشوائي للصيدلية”.

 

وطالبت أيضا  “توفير مناخ عمل وظروف إشتغال جيد لكافة الأطر الصحية بالمستشفى يسوده احترام القانون، والاستجابة لحاجياتهم الأساسية والبسيطة،  قصد ضمان ممارسة طبية مواطنة تستجيب لتطلعات ساكنة الجهة الشرقية”.

 

كما أكدت على ضرورة إعمال المقاربة التشاركية في تدبير ومعالجة الإشكالات المطروحة، واشارك كافة المعنيين من النقابة الوطنية للتعليم العالي بكلية الطب والصيدلة، التمثيليات النقابية للعاملين بالمستشفى، فعاليات المجتمع المدني والمتتخبين.

 

إدارة المستشفى ترد

 

حتى اليوم الخميس، لم تخرج إدارة المستشفى الجامعي، ببلاغ مستقل إلى الرأي العام تتحدث فيه عن وجهة نظرها وردودها على التهم الموجهة إليها، سواء في التقرير الأخير للجمعية المغربية لحقوق الانسان، أو البيان الأخير للنقابة الوطنية للتعليم العالي، أو حتى التقرير “الأسود” الأول الذي إنتشر قبل أسابيع بين الأوساط الطبية وسبق أن نشرت مضامينه جريدة “الأخبار”.

 

وكانت جريدة الأخبار بعد مقال نشرته يوم 8 أبريل 2022، تحت عنوان «تقرير أسود يكشف اختلالات بالمستشفى الجامعي بوجدة»، قد توصلت من إدارة المستشفى ببلاغ توضيحي.

 

وأكد مضمون البلاغ المنشور من قبل الجريدة والذي يعيد شمس بوست نسره للوقوف على وجهة نظر المستشفى،  أن المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس يتوفر إداريا على مصلحتين للإنعاش والتخدير وليس مصلحة واحدة.

 

 ومن الناحية الوظيفية فهو يتوفر على وحدات للإنعاش والتخدير، موزعة على جميع المصالح التي تتطلب هذه الخدمات. وأكدت أن مصلحة التخدير والإنعاش تعد من أنشط المصالح التي يتوفر عليها المركز الاستشفائي، ولعل تعاملها الأمثل مع «كوفيد- 19» خير مثال على ذلك.

 وأشار البلاغ إلى أنه خلال هذه الجائحة، تكفلت المصلحة المذكورة إلى جانب مصالح أخرى بـ2000 مريض وردوا عليها من مختلف مستشفيات الجهة، وذلك بفضل الطابع المركزي الذي يميز تسييرها والرفع من طاقتها الاستيعابية (من 43 سريرا للإنعاش إلى 120 سريرا)، وتوفير الموارد البشرية عن طريق إعادة الانتشار.

 

وفي السياق نفسه، أكد بلاغ الإدارة أنه بالرغم من الظرفية الحساسة التي تتميز بنقص حاد في العرض على المستوى العالمي وشح بعض المواد الطبية والصيدلية، فإن المركز قام بمجهودات جبارة من أجل التزود بالمعدات واللوازم الطبية، بل كان سباقا إلى اقتناء وحدة لتصنيع الأكسيجين، لضمان التزود المستمر بهذه المادة الحيوية.

 

 ونفت الإدارة اقتناء مواد منتهية الصلاحية، مؤكدة أن نسبة الأدوية منتهية الصلاحية  بصيدلية المركز لا تتجاوز النسب الموصى بها من طرف منظمة الصحة العالمية، والمحددة في 5 في المائة من مخزون الأدوية، وهي في حدود 1,42 في المائة، وهي نسبة ضئيلة أكدها الافتحاص الخارجي الذي قام به مكتب معتمد في هذا المجال.

 

وبالنسبة إلى الاختلالات المالية التي تطرق إليها المقال، نفت إدارة المركز بشكل قاطع هذه الادعاءات، وأبرزت أنه بالرغم من حداثة نشأته، استقبل على مدار السنوات الأخيرة عدة لجان تفتيشية من مختلف مصالح هيئات المراقبة المالية، وانتدب مكاتب افتحاص خارجية لهذا الغرض.

 

أما بخصوص مصلحة جراحة القلب والأوعية، فأكدت الإدارة أن المصلحة المذكورة كانت من المصالح الأولى التي تم تفعيلها عند افتتاح المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس، إلا أن بعض الإكراهات اللوجستيكية والإدارية وحتى القضائية منها، عطلت الانطلاقة الفعلية لهذه المصلحة. 

 

وأوضحت أنه رغم هذه الإكراهات، فقد تم تنظيم حملات طبية وجراحية لفائدة مرضى القلب، بتنسيق مع شركاء وطنيين وأجانب، كللت جميعها بالنجاح (أزيد من 42 حالة).

 

وأشارت إلى انتظار سنة 2021 وانتهاء مسلسل قضائي ضد المسؤول عن المصلحة حينها، والذي توج بإعادته بعد أكثر من ثلاث سنوات من توقفه عن العمل، لتستأنف المصلحة أنشطتها بصفة اعتيادية، حيث وفرت إدارة المستشفى الشروط الضرورية لإجراء عمليات جراحة القلب من موارد بشرية متخصصة، آلات طبية (مضختان للقلب CEC) ومستلزمات وأدوية، وقاعة مجهزة للعمليات، وتم بالفعل إجراء بعض العمليات الجراحية خلال هذه السنة.

 

 وتراهن الإدارة على انخراط جميع المتدخلين لإنجاح هذه المصلحة، بعيدا عن المهاترات والتهرب من المسؤولية.

 

ندوة صحفية لأطباء بالمستشفى

يبدو أن ملف المستشفى ماض في المزيد من التطورات والتفاعلات، حيث كشف الفرع المحلي للحزب الاشتراكي الموحد، أخيرا في بلاغ له، عن عزمه تنظيم ندورة صحفية يوم غد الجمعة، ينشطها أعضاء بالمكتب النقابي لنقابة التعليم العالي، من أطباء وأساتذة، يعملون بالمستشفى الجامعي لتسليط الضوء على “الإختلالات” التي يعرفها المستشفى.

 

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)