يوميات في حضرة الشوافة -2-

كنت جد سعيد وفرح بعملي الجديد.. وصلت إلى منزل “الشريفة” قبل الموعد المحدد، طرقت الباب فتحت خادمتها، أذنت لي بالدخول، توجهت مباشرة إلى قاعة الإستقبال.

 

ناولتني قارورة من ماء الزهر، قمت برش المكان، أعطتني كيسا من الفحم الحطبي “الفاخر” أخرجت “المجمر” الطيني إلى الزقاق شرعت في إشعاله، يوم حار لم أتعود على إشعال “المجمر” في مثل هذه الأجواء الساخنة، ذكرني ذلك بالبرد القارس لما كانت تنتشر “المجامر” بدروب حارتنا.

 

ذكرني ذلك أيضا بالأفعال الشيطانية التي كنا نقوم بها ونحن صغار، لما كنا نضع الإبر الطبية الزجاجية التي كان يتخلص منها مستشفى محمد الخامس بمكناس الذي يقع بجوار حينا، وسط “المجامر” ونفر بعيدا في إنتظار انفجارها دون أن نعي المخاطر الذي كنا قد نتسبب فيها أحيانا، إذن هكذا كانت طفولتنا كنا نلعب كل شيء وبكل شيء.

أدخلت المجمر إلى قاعة الإنتظار، وضعت وسطه بعض البخور بدأ الدخان يتصاعد داخل الفضاء.

فجأة دخلت شابة تبدو في عقدها الثالث، سجلت إسمها  في كناش خاص بالزبونات، تبين لي من خلال إسمها العائلي أنني أعرف شقيقها الأصغر الذي يلعب معي كرة القدم في مدرسة فريق النادي المكناسي، عرفت أنها جاءت عند “الشريفة” بحثا عن طرد النحس الذي يلاحقها، إذ تقدم 5 أشخاص لخطبتها وسرعان ما تفسخ الخطوبة دون أن تعرف السبب في ذلك وفق تعبيرها.

 

بدأ الزبونات يتوافدن على قاعة الإنتظار سجلت أسماءهن وأعطيت لكل واحدة رقما اجتهادا مني، ومن أجل تسهيل مأمورية عملي.

شرعت “الشريفة” تستقبل زبونتها وفق الترتيب المسجل في كناش الواردات، فجأة دخلت امرأة أنيقة تبدو في عقدها الرابع، ترتدي تنورة قصيرة تتوسطها خطوط تميل إلى اللون البني، طويلة القامة، تنتعل حذاء عالي الكعب، ذات جسد مكتنز، شعرها قصير يميل إلى الاصفرار ، سلسلة ذهبية سميكة تزين صدرها المنتفخ، رائحة عطرها تمتزج برائحة البخور، كل النسوة داخل القاعة ينظرن إليها ويتهامسن عليها.

 

طلبت منها أن أسجل إسمها في الكناش، رفضت ذلك، همست في أذني قالت لي إسمها “زينب” وترغب في لقاء “الشريفة” حالا، أخبرت “مشغلتي” بالأمر طلبت مني إدخالها دون أن تنتظر دورها كباقي الزبونات اللواتي لم يعترضن عن إعطاء الأسبقية للالة زينب.

طلبت مني الشريفة أن أفتح حقيبة صغيرة، كانت بداخلها سلسلة نحاسية وقفل نحاسي إضافة إلى سكين من النوع المتوسط، أمرت “الشريفة” زبونتها المتميزة بجمع السلسة وإغلاق القفل والاحتفاظ بالمفتاح، ثم أمرتني بإدخالها إلى بهو صغير من أجل القفز فوق السلسلة سبع مرات وكانت مهمتي عد عدد القفزات ثم وضع السلسلة والقفل والسكين داخل صندوق حديدي.

 

ولما كنت أهم بالخروج للإطلاع على أحوال قاعة الإنتظار، طلبت مني “زينب” أن أتخلص من مجموعة من “الحروز” تسلمتها للتو من “الشريفة” في مكان خال بعد الإنتهاء من العمل، وافقت على طلبها منحتني ورقة مالية من فئة 5 دراهم شعرت بفرحة عارمة وأنا أتسلم هذا المبلغ المهم بالنسبة إلي، شعرت أنني محظوظ مقارنة مع بعض أصدقائي الصغار الذين يشتغلون أيام العطل بثمن ضئيل ولوقت أطول.
يتبع

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)