ماركس المراكشي

’’كنطالب بالديمقراطية حكم الشعب بواسطة الشعب ولأجل الشعب‘‘ هكذا لخص الأب المراكشي مطالبه ومعها مطالب شعب عريض يرددها طوال الوقت بوعي منه أو بدونه، وكم كان سهلا في حالته أن يطالب بمزايا معيشية كانت ستجد طريقها إليه في أيام معدودات، خاصة أنه يتربع على عرش البطولة في الواقع والافتراض خلال هذه الفترة، ويلقى من الحب والدعم والاستنكار لما يعانيه ما يجعلك تظن أنه آخر الأشقياء والمطحونين في هذا البلد، وكأنه حالة شاذة سقطت سهوا ليعاد اكتشافها اليوم على حين غرة بعد مضي دهر على تسوية أوضاع الهامش ومشاكله، الرجل الذي تحول بيته لمزار بدا أعظم من كل أولئك الذين يحاولون بث روح الأمل فيه، بدا سابقا إياهم بسنوات وأكثرهم فهما لجوهر المشكل.

وجوهر المشكل لا يعدو عن كونه أزمة تسيير وتدبير، صراع أطماع تتغذى على قوته وقوت أمثاله، تتركهم يركضون العمر كله طلبا للستر حتى يغلبوا على أمرهم نهاية، فلا هم حصلوا الستر ولا هم وفروا على أنفسهم مشقة طلبه، حتى إذا لاح العمر مودعا جعلهم أرذله صيدا سهلا للتنقيص والامتهان. جواب الرجل لخص الحل وقبله الأزمة، فما كان أحدنا ليجد نفسه في أول العمر أو آخره محروما ذليلا يتعلق بوعود العطيات وقشة المساعدة لولا ان اخرين تحالفوا على حرمانه من حقه، وما كان بعضنا ليجد في البعض الآخر مادة للسخرية لولا غياب الاستبداد الذي يورث الناس سوء الأخلاق كما يوجز ابن خلدون.

توجيه الانتباه للأزمة الأخلاقية لبضع شباب أحمق ظن أنه يصنع من استكانة الرجل مادة طريفة للهو يُغيب الصورة الكاملة للحقيقة، والمطالبة بإنزال العقوبات الشديدة في حقهم ليس بالحل النهائي الذي يضمن عدم تكرار الفعل، لأن الملام الحقيقي عن نظرة الانكسار والذل التي تراءت في عينيه وهو المسمى مفارقةً ’’عز‘‘ هو من فاقم معضلة الفقر والحرمان ووجه كل ما مُنح من صلاحيات وإمكانيات لمضاعفة غناه وأسباب راحته على حساب أمة من المحتاجين، وهو الذي جعله صيدا سهلا للحاجة وقلة ذات اليد، إن الباب الذي تدخل منه الإهانة والتحقير هو باب تعمد المتناوبون على سرقة هذا الوطن تركه مفتوحا.

ثم ماذا بعد هذا الجرح الذي نطل منه على حال كاد يصير عاما ويشمل في حكمه سوادا عظيما من المغاربة؟ المبادرات الفردية التي لن تصنع حلا ولن تغير حالا إلا في حدود ضيقة جدا تخص أصحابها، وبصفة مؤقتة غالبا تتعلق بمدى قدرة أبطالها على الاحتفاظ بصدارة الطوندونس، ليس حلا أن نرتحل لبيت كل مريض أو مديون لنعلن باسمه عن حملة تضامن تتركه كسير العين قليل الحيلة غارقا حد المذلة في شعور الامتنان والمنة، وإن كان هذا الفعل يبرز الوجه الأكثر اشراقا لمجتمع متكافل مبادر بالمساعدة لكنه لا يمنع وجود الأزمة واستمرارها، الأزمة عميقة جدا، وهي أكبر مما تروجه الوسائط المتعددة في كل مرة، ونستقبلها نحن بتمثيل الاندهاش والتأثر وإعلان بدء حفلات التضامن، متغافلين عن توجيه المسؤولية لأصحابها الحقيقيين.

وإتماما لعناصر المشهد، ووسط غمرة انشغال المغاربة بصوت ضميرهم الجديد، وفي عالم موازي يستعد بعض الأشخاص غير المعنيين أبدا بما يحدث لتأمين مواقعهم ومضاعفة امتيازاتهم، نشاط متسارع يدل على اقبال فترة الاستعدادات المبكرة للمناسبة الوحيدة التي يتم فيها بذل الجهود المضنية والسهر حرفيا، ولأن ما يحدث من تحركات أقل من أن نبدي بشأنه اهتماما فسنكتفي بمتابعة ماركس المراكشي الذي أحالنا على الحل.. الدمقراطية عندما تتوفر أدواتها هي الضمان الوحيد لعدم تعرضنا للإهانة أولا وللفقر والبؤس ثانيا وعاشرا.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)