محمد امباركي يكتب في حديث الصباح..كيف يريدون منا أن نمنحهم مائنا كي يبيعوه لنا؟

إن الأحكام الصادرة مؤخرا  في حق معتقلي حراك فجيج، لا يمكن قرائتها خارج الاستراتيجية المعهودة للدولة في التعامل مع الحركات الاحتجاجية التي تكتسي طابعا جماهيريا قويا، وتستند على أرضية مطلبية محلية  وملموسة تصاغ في شروط حوار جماعي وتداول ديمقراطي من قبل الساكنة المعنية…

 

لا أحد يجادل في أن واقعة فجيج عرت عن أعطاب الديمقراطية المحلية واستمرار البنية المخزنية العميقة والعتيقة في احتكار القرار المحلي والمركزي، وبالتالي نعتقد أن الجماعات المحلية المتبقية التي تنتظر دورها في قبول أو رفض هذا المشروع لن تذهب إلا في اتجاه الخيار الأخير أي القبول “الراضخ “، خاصة في ظل طبيعة التركيبة الحزبية المهيمنة على المجالس المحلية والجهوية والقريبة من “مول الشكارة ” رئيس الحكومة عبد العزيز أخنوش..ا. وبالنسبة لحكومة الرأسمال الريعي والطفيلي، لا تشكل “المؤسسات المحلية” غير واجهة لديمقراطية شكلية و لصفقات البزنس “السياسي ” والاقتصادي باسم التنمية المفترى عليها..

 

إن طريقة تفويت قانون الشركات الجهوية متعددة الخدمات بفجيج يترجم بشكل لا لبس فيه، زواج السلطة والمال في أبعاده الميكرو مجالية، والذي أصبح يتحكم في مفاصل تدبير الشأن المحلي والجهوي، حتى وجدنا أنفسنا أمام ” مقاولون في كل شيء، في الاقتصاد والسياسة والأخلاق”، في ظل فساد هيكلي يتمدد بخيوطه العنكبوتية ليطال النخب الحزبية والمدنية…ألسنا أمام استراتيجية لتعميم الفساد ودفع المجتمع نحو التطبيع معه من خلال إغراقه في العداء للسياسة كممارسة قائمة على النبل، النزاهة، الشفافية وأخلاق التطوع والتضحية ؟، أي ممارسة اللاتسييس Depolisation إزاء القضايا الحقيقية للبلد وبالتالي تشجيع نخب “الفرجة” وتبرير “الانزلاقات والانزياحات” كي تحتل ساحات  الواجهة؟

 

في الواقع،  إن ما يأسف له هو أن يصبح الخيار “الأمني” هو المهيمن، وهيمنته هاته لا تعبر إلا عن حقيقة واحدة وساطعة، ألا وهي عجز الجهات المسؤولة مركزيا ومحليا عن التدبير السلمي والديمقراطي للفضاء العمومي كساحة للاحتجاج الواقعي والافتراضي من أجل العدالة الاجتماعية وضد كل أشكال التحقير وهدر الكرامة ومصادرة الإرادة المحلية بشكل يتنافى مع القوانين والتشريعات التي وضعتها تلك الجهات نفسها….فعن أية دولة اجتماعية تتحدثون يا ساسة “الميتروبول”؟

 

ليس هناك أدنى شك، في أن تلك الأحكام القاسية لمعتقلي حراك فجيج الاجتماعي الراقي والمنظم،  هي رسالة تهديد واضحة للحراك ومقدمة نحو اختيار رسمي لعنف المقاربة أمام سلمية الحراك، هي خوف من السلمية ومحاولة لخلخلة أولويات الحراك ودفعها نحو الانتقال الى السقف الأدنى والمحدود، وبالتالي الرهان على وقف فعل جماعي واعي وتعبئة جماهيرية قوية بحمولة اجتماعية تستمد هويتها ومشروعيتها من الدفاع عن الحق في الماء كثروة اقتصادية ورمزية ارتبطت تاريخيا وبشكل يكان يكون مقدسا بالواحة واقتصاد الواحة وثقافة ساكنة الواحة ومخيالها الجماعي، وهي التي نظمت عيونه وشيدت أنابيبه وجعلت منه مصدر بقاء وملتقى وجزء من معاشها اليومي، أسألوا مزارعي فجيج عن طقوس “إقوذاس”؟، وأسألوا نساء فجيج عن المغاسل العمومية حيث يغسلن الثياب والأفرشة عبر ترشيد عجيب للمياه، وحيث يلتقين ويتبادلن أطراف الحديث والترويح عن النفس؟، وهاهن يخرجن جماعة في مسيرات جماهيرية بديعة دفاعا عن مجالهن الحيوي، أي ملتقى نسائي أصبح حقه في الوجود مهددا من طرف قانون الشركات الجهوية،.. فكيف يمكن أمام هذه المعطيات المادية والرمزية الدامغة أن يتم قبول تسليع هذه المادة؟، أو كما جاء على لسان أحد وجوه مدينة فجيج ومناضلي حراكها، المعروف ب “مجيد الفلاح” : كيف يريدون أن نمنحهم مائنا كي يبيعوه لنا”؟..سلم لسانك يا “مجيد”، وسلمت فجيج الشامخة نساء ورجالا!..

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)