في حديث الصباح (1) ..محمد امباركي يكتب…في رمزية ” حراك فجيج”

بقلم: محمد امباركي، ناشط حقوقي وسياسي 
إن حراك فجيج ليس فقط حراكا اجتماعيا هدفه وقف تفويت الماء لشركات جهوية للتوزيع في إطار خوصصة هذا المرفق الحيوي، بل إنه حراك رمزي يعكس هوية سوسيوتاريخية غنية تتأسس على تقاليد وطقوس ضاربة في أعماق التاريخ والحضارة وتستمد شرعيتها ومشروعيتها من ذاكرة جماعية صاغها تلاقح المجال والناس، التاريخ والجغرافيا، منذ ما قبل استقلال المغرب بحوالي تسعة قرون، مرورا بالنضال الوطني ثم مقاومة الاستفراد بالسلطة والثروة في مرحلة ما بعد الاستقلال…وهكذا تتضح المعاني الرمزية العميقة لهذا الحراك وحراكات أخرى سبقته من خلال :
أولا الحضور المقدس للماء في المنظومة الاقتصادية والرمزية للواحة بالشكل الذي جعل الساكنة تنتج بشكل جماعي تدبيرا مشتركا وعقلانيا للعيون المتدفقة بفجيج خارج البنيات الرسمية…وبالتالي شعور الساكنة ب”الإهانة” جراء الخطط الجارية لمصادرة هذه الإرادة الجماعية الديمقراطية…
ثانيا، الخروج الجماعي للنساء في مسيرات احتجاجية “بيضاء” أي باللباس التقليدي “الحايك “، يكتسي نفس الدلالة الرمزية في العلاقة بالماء…هي خطوط دفاع عن هوية محلية تقع في قلب بنياتها وتفاعلاتها المرأة الفجيجية سواء على مستوى الحضور القوي في الاقتصاد الواحي المحلي والاشتغال جنبا إلى جنب مع الرجل وبالتالي العلاقةالقوية بالماء، أو على صعيد المكانة الاعتبارية التي تحظى بها نساء فجيج في المجتمع المحلي وهن اللائي يختزن جراحات الذاكرة الفردية والجماعية لهذه المنطقة الحدودية نتيجة عقاب جماعي وظالم أطالها خاصة خلال سنوات الرصاص الأليمة ، ومن جانب آخر هن حماة المجال في سياق يشهد تفوقهن الديمغرافي في ظل هجرة متواصلة لأبناء المنطقة نحو امكنة وفضاءات أخرى داخل المغرب وخارجه…
عموما، حراك فيجيج هو صرخة مدوية لاستعادة سلطة قرار محلي وديمقراطية شبه جماعية ظلت قادرة على إنتاج آليات إخفاء وتدبير التفاوتات الاجتماعية داخلها عبر استراتيجيات تضامنية متعددة وقوية…
ونعتقد أن الاقتراب من المعيش اليومي لساكنة المنطقة، وقراءة تفاصيل اشتغاله على ضوء تمثل الذاكرة والزمن وجدلية الحاضر والماضي والمستقبل، قد يتيح لنا إمكانية فهم سوسيو-انتروبولوجي دينامي وأعمق يتجاوز بعض تجليات الواقع المباشرة، وذلك باعتبار “المعيش اليومي يعبّر عن هوية ثقافية تقيم فيها فضاءات الحياة اليومية، علاقة انتماء وحميمية مع الزمن في ماضيه وحاضره” *).
(Zannad Bouchrara, T. (2006). La mémoire du vécu : Pour une sociologie du vécu. Tunisie : SREC. P:15
(*) هذه إحالة مقتبسة من مقال الباحث السوسيولوجي عبد الرحيم العطري ” في سوسيولوجيا الحياة اليومية: من الرمزي إلى التناص الاجتماعي “.
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)