Site icon شمس بوست

الأساتذة المعترضون

بعد عودة قضية الأساتذة المتعاقدين أو الذين فرض عليهم التعاقد لواجهة الأحداث إثر المسيرة التي جابوا فيها شوارع الرباط الأسبوع المنصرم وتعرضوا خلالها للاعتداء والقمع على أيدي -وأفواه- القوات العمومية، ظهر نقاش جديد قديم يتعلق بفئة تمارس هواية الإنكار والاعتراض لأجل الاعتراض، لا يشترط لديها في الغالب الاطلاع على أصل القضية والوقوف على حقائقها وملابساتها ابتداء، كما لن يتوقف اعتراضها إذا تحقق هذا الشرط انتهاء.
هذه الفئة التي تلوم الضحية -قد لا تدعم الجلاد دائما- تختلف عن تلك التي توالي السلطة وتبرر جميع شطحاتها ممن ندعوهم “العياشة”، إنها فئة تظهر في أي قضية بين طرفين ليس ضروريا أن يكون أحدهما ذا سلطة، يميزها كونها تتناول القضية من زاوية مجحفة ترتكز على لوم الضحية وتحميلها المسؤولية وتكريس الشك حول حقيقة مظلوميتها، وتتولي دونما دعوة دور محامي الشيطان بشكل مجاني سمج.
والحقيقة أن الأمر يلتبس في معرض محاولة فهم دوافع هذه الفئة.. فهل يتعلق الأمر بالمعارضة من أجل المعارضة؟ أو أنها محاولات لإثبات النفس عملا بقاعدة خالف تعرف؟ أو أنها مواقف يدفع لها ويغذيها الحقد والغل خاصة مع تصلب الراي وعدم التراجع حتى مع وجود تفسيرات وحجج مقنعة.
وليس أوضح للدلالة على هذه القضية من معركة الأساتذة المتعاقدين، خاصة أن الوضع الاعتباري للأستاذ يجعل التعرض له أو محاولة إذلاله بمثابة اذلال للمنظومة بأكملها. بالتالي ليست قضية فئوية هذه التي تهدد المدرسة العمومية بالشلل، وعليه فمن الواجب إظهار مواقف التضامن والدعم على أقل تقدير.
بداية من الضروري التشديد على أن معركة الأساتذة ليست مما يستدعى الإنكار أو الجحود، فهي لا تتغيى الحصول على امتيازات خاصة، أو شروط استثنائية، بل هي مقتصرة على مساواتهم وظيفيا بزملائهم عبر ادماجهم بالقانون الأساسي للوظيفة العمومية، وعليه فمن العار تصنيفهم كانتهازين وصائدي فرص.
كما أنهم الأولى بالترافع والنضال عن هذه القضية لتوفرهم على الصفة، فالمعروف أن تحقيق المطالب أو تحصين المكتسبات إنما يكون من المعنيين مباشرة بصفتهم ومن داخل المؤسسة. وعليه فالحديث عن أن قبولهم التوقيع على العقود يجردهم من حق التحرك ضدها منطق غير سليم. فليس اليوم من معني بقضية التوظيف بالتعاقد مثل هؤلاء الأساتذة ليس لتصحيح وضعهم فقط ولكن أيضا لإنقاذ أنفسهم من أن يصبحوا الفئة الأولى التي تسمح بتمرير هذا القرار لباقي الفئات المهددة به.
إن الحديث عن فرض التعاقد يأتي كما يقول الأساتذة انطلاقا من غياب بديل له، فجواب اتهام الأساتذة بقبول العمل بالعقدة في البداية هو غياب أشكال أخرى للتوظيف يكون معها الاختيار ممكنا، فالتعاقد تقابله البطالة. وعدم توفير خيارات هو الإجبار بعينه. بالتالي فلا يمكن إلا التسليم بكون الدولة فرضت التعاقد فرضا على هذه الفئة باعتباره أمرا واقعا.
ثم على فرض صحة منطق قبولهم التعاقد عن اختيار حر وطيب خاطر، فقيام فئة ما بالمطالبة بتحسين شروط ممارستها للعمل حال ظهور مستجدات أو وقوع تعسفات رغم وجود وضع نهائي متعاقد بشأنه هو أمر لا يعاب عليها في شيء، وسنجد أمثلة كثيرة لهذا الأمر، وإلا فما الحاجة للعمل النقابي مادام الموظف أو المستخدم على اطلاع بظروف العمل وعوائده منذ البداية.
من المفارقات التي ظهرت أيضا الطعن في الأساتذة وتحميلهم مسؤولية فشل المنظومة ككل، أو التعييب عليهم أنهم لم يتحركوا في المقابل لأجل قضايا أخرى تروم الرفع من جودة التعليم عامة، مع أن الرد التقليدي على هذه النقطة سيكون بإثارة سؤال الاستقرار النفسي والاجتماعي والمستقبل المهني والأمن الوظيفي المفترض تحقيقه للأستاذ أولا كقاعدة وأرضية منها تنطلق أشكال المطالبات الأخرى في أفق تحصيل المزيد منها. إنه الرجوع لقاعدة التدرج في تحقيق المطالب من داخل المؤسسات المعنية مع توفر الصفة. ثم إن دعم مطالب الأساتذة كان سيمنح مستقبلا شرعية محاسبتهم ومساءلتهم عن الجودة باعتبارهم جزء من منظومة تعرف تعدد الفاعلين، أما تحميلهم مسؤولية ذيل الترتيب الذي نقبع فيه فليس من الإنصاف في شيء.
من زاوية أخرى الانكار على الأساتذة من منطلق أن الدولة ستسوي وضعيتهم بعد انقضاء مدة العقد هش أيضا، فرجوعا لحالة الأساتذة الذين تعاقدوا سنة 2016 والمطالبين اليوم بتوقيع ملحق العقد وبالتالي اعتبارهم مستخدمين لدى الأكاديمية لا موظفين لدى الوزارة كفيل بالرد على هذه النقطة.
إن الذين أنكروا على الأساتذة هذه المعركة التي لم ينالوا منها سوى الإهانات والتنكيل لم يحاولوا قط الحديث عن أصل المشكل الذي دعا الدولة إلى فرض هذا النوع من التوظيف، وطرح السؤال الحقيقي: لم سيتحمل موظفو قطاع التعليم تكلفة التخفيض من مؤشر كتلة الأجور؟ في الوقت الذي يتم فيه غض الطرف عن أصحاب المعاشات السمينة والأجور دون سقف والامتيازات المتخمة. أوليس التعليم مشروع وطني جالب للموارد على المدى المتوسط والبعيد ومنتج للكفاءات؟
إن حديث الأساتذة اليوم عن غياب شعور الارتياح والاستقرار الضروري لممارسة مهنتهم لديه صدى داخل كل واحد منا. وللوقوف عليه ما عليك سوى أن تسأل نفسك هل يتساوى في نظرك أستاذ موظف في إطار القانون الأساسي للوظيفة العمومية وأستاذ متعاقد؟ هل تراهما على نفس الدرجة؟ للأسف فإن التهوين والتنقيص الذي يطالهم واقع لا يمكن انكاره. فالأستاذ المتعاقد في نظر العامة هو أستاذا مع وقف التنفيذ أو نصف أستاذ تتفق في هذا التوصيف النظرة الرسمية والشعبية.
نهاية وبعيدا عن اعتراضات المعترضين فأن النضال الجماعي التضامني للأساتذة اليوم من أجل الإدماج واسقاط التعاقد سيكون أفضل بكثير من النضال لاحقا بشكل فردي لأجل التراجع عن قرار فسخ العقد في حالة تم ذلك لأي سبب كان.. كما أن أي مكسب يحققه الأساتذة اليوم سيكون منطلقا جيدا للبناء عليه لاحقا حال شملت دائرة التعاقد ضحايا جدد في قطاعات أخرى.

Exit mobile version