لجنة نيابية تصدر تقريرا يبرز إختلالات في أداء وتسيير بريد المغرب

أصدرت لجنة مراقبة المالية العامة بمجلس النواب، في الـ13 يوليوز الجاري، تقرير مهمتها الإستطلاعية حول بريد المغرب كاشفاً عن مجموعة من الإختلالات داخل هذه المؤسسة العمومية.

 

وجاء هذا التقرير وفق اللجنة، بطلب وارد من فريق العدالة والتنمية يتعلق بالقيام بمهمة استطلاعية حول مؤسسة بريد المغرب، وذلك للوقوف على الوضعية الإدارية والمالية للمؤسسة، بعد الوضعية الاجتماعية جراء الإضرابات التي خاضها مستخدمو المؤسسة البريدية أواخر 2020، وتسجيل تراجع بريد المغرب في الترتيب الدولي، وقيام بريد المغرب بتبني هيكلة جديدة لاقت عدم قبول النقابات البريدية، وإعلان بريد المغرب عن صفقة عروض لاقتناء مواد معقمة لمحاربة كوفيد 19 ، بكلفة مالية مرتفعة تحدثت عنها الصحافة الوطنية وما اثير حول عملية اقتناء شركةSDTM التي وقف عليها تقرير المجلس الأعلى للحسابات.

 

كما جاء بناء على الوضعية الاجتماعية التي شهدها بريد المغرب مع نهاية سنة 2020 وبداية 2021، ونظرا لأهمية الخدمات البريدية في الحياة اليومية للمواطنات والمواطنين ونظرا للدور العام الذي لعبته شركة البريد البنك في الرفع من مستوى ولوج الساكنة للخدمات البنكية (التبنيك)، وعلى اعتبار الإمكانيات والشبكة المتنوعة (وكالات ومراكز ونقاط التوزيع…) التي وفرتها الدولة لبريد المغرب وشركاته الفرعية، للنهوض بالخدمات البريدية، فقد انشغلت كافة الحساسيات والسلطات العمومية، وكذا البرلمان بكافة فرقه النيابية، بالوضعية التي آلت إليها مجموعة بريد المغرب، خاصة مع إثارة وجود شبهات لتبديد وإهدار المال العام ووجود أجور وتعويضات جد مرتفعة للمتعاقدين، في تنافي واضح مع ما هو معمول به في الإدارات والمؤسسات العمومية.

 

المهمة الإستطلاعية بنت تقريرها كذلك على تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول بريد المغرب الذي صدر سنة 2015 والتي شملت المراقبة التي أنجزها المجلس حول تسيير مجموعة بريد المغرب على الفترة الممتدة من 2010 إلى 2014، تحقيق الأهداف الاستراتيجية بالنظر للمهام الرئيسية لمجموعة بريد المغرب؛ الحكامة والمراقبة الداخلية ونظام المعلومات؛ تدبير الممتلكات والموارد البشرية والصفقات العمومية؛ تنفيذ التوصيات الواردة في تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2010.

 

ومن خلال هذا التقرير تمكن المجلس الأعلى للحسابات، وفق تقرير اللجنة، من الوقوف على مجموعة من الملاحظات، وقدم توصيات موجهة إلى كل من السلطاتالعمومية ومجموعة بريد المغرب، أبرزها: تسريع إصلاح الإطارالقانوني لقطاع البريد عبرالفصل يبن مهام تصورالسياسات العمومية ومهام الضبط والمراقبة وكذا دورالفاعل في القطاع؛ تحديد وتوضيح متطلبات المصلحة البريدية الشاملة خاصة في مايرتبط بالعرض وبالمحيط الجغرافي وجودة الخدمة،  وينبغي لهذا التوضيح أن يأخذ بعين الاعتبار التطورالذي تعرفه حاجيات المواطنين والمقاولات وظروف السوق الحرص على تتبع إنجاز الأهداف الاستراتيجية لعقود البرامج والعمل على تعديلها كلما دعت الضرورة؛ تحسين حكامة بريد المغرب وشركاته التابعة وذلك بتطبيق مقتضيات الميثاق المغربي للممارسات الجيدة لحكامة المقاولات والمنشآت العمومية، وخاصة عبر تدعيم دور مجلس الإدارة ومختلف اللجان المختصة.

 

وسجّل التقرير أن الوضعية الاجتماعية للشغيلة تأزمت منذ الشروع في تطبيق الهيكلة الجديدة في نونبر 2020، التي عملت على تجميع الاختصاصات وتقوية مراكز ونفوذ المدراء في الهرم التنظيمي للمجموعة ودخول النظام الأساسي الجديد حيز التطبيق، وتكتم من طرف القائمين على إعداده وعلى تنزيل آلياته ومقتضياته، وتواتر أخبار تفيد بوجود أجور عليا وتعويضات ومنح كبيرة لفائدة المتعاقدين، مما خلق إحساسا بالحيف وعدم الإنصاف. وكان المجلس الأعلى للحسابات قد وقف على الفوارق في الأجور بين المتعاقدين والمستخدمين البريديين وعلى غياب مساطر في توظيف المتعاقدين.

 

 

وأبرز أن المغرب تراجع في المؤشر العالمي للتنمية البريدية لسنة 2020، إلى المرتبة الـ 88  وراء كل من تونس (المركز 46) والسعودية (المركز50) ولبنان (المركز53) والأردن (المركز 58) وقطر (المركز 65) والجزائر (المركز 73). وحصلت المملكة في هذا تصنيف على 31.38 نقطة من أصل 100 نقطة، في المؤشر الذي يصدر عن الاتحاد البريدي العالمي UPU.

 

وقد تطلب الأمر، يضيف التقرير، مراسلة المدراء العامين لكل شركات بريد المغرب (الشركة الام والفروع) من أجل تزويد المهمة الاستطلاعية ببعض الوثائق والمعطيات الضرورية والاجابة عن تساؤلات السادة أعضاء اللجنة أثناء جلسات الاستماع للتمكن من الاستطلاع حول مجموعة من الملفات والإشكالات المتداولة في مجموعة بريد المغرب.

 

وقد خلصت المهمة الاستطلاعية إلى تسجيل مجموعة من الملاحظات أبرزها وجود مواطن ضعف على مستوى سير الأجهزة التداولية، ومسؤوليات غير محددة، وعدم توفر المجلس الاداري لمجموعة بريد المغرب على نظام داخلي أو ميثاق لتنظيم أشغاله.

 

هذا الى جانب عدم تعيين أعضاء مستقلين وفقا لمقتضيات قانون الشركات المساهمة، ووفقا لمقتضيات الميثاق الوطني للحكامة الجيدة؛

 

وكشف التقرير أن عدد الأعضاء والتمثيلية في لجان التدقيق والمخاطر ضئيل، بحيث لا يوجد في لجنة التدقيق عضو بكفاءة وخبرات تتناسب مع النشاط البريدي، كما حالة تنفيذ توصيات لجنة التدقيق، وكذلك توصيات مراقب الحسابات وهيئات الرقابة الأخرى، لا تُعرض بشكل منهجي في بداية كل اجتماع. وقد كانت هذه الملاحظة محل ملاحظة متكررة من قبل أعضاء لجنة التدقيق، بالنظر إلى أهمية هذه النقطة في تحسين حكامة الشركة.

 

وأبرز أن المسؤولون المركزيون يتبوءون مناصب كبيرة تجتمع فيهم عدة مسؤوليات في تدبير النفقات والموارد، والعضوية في العديد من هيئات حكامة الشركات التابعة لمجموعة بريد المغرب، مما تثار معه الملاحظات وجود حالات متعددة لتنافي المصالح والجمع بين عضوية العديد من هيئات حكامة الشركات التابعة، مشيرا الى أن مدير عام بريد المغرب يرأس جميع لجان التعيينات والتعويضات في الشركات التابعة، هذا الى جانب غياب معطيات المحاسبة التحليلية، وتراجع نجاعة أداء المجموعة من خلال تدني النتيجة الصافية وتدهور نتيجة الاستغلال وارتفاع كتلة الأجور مقارنة برقم المعاملات مما يدل على ضعف المردودية والإنتاجية وتدهور النتيجة الصافية مما يؤدي إلى تراجع ربحية الأنشطة والمهن.

 

ولاحظت لجنة مراقبة المالية العامة التداخل في تقديم نفس الخدمات ما بين الفروع يحدث علاقات مالية وتجارية بينية متداخلة بين الشركة الأم وفروعها، كما أن الشركات التابعة منذ تأسيسها، ما عدا البريد بنك لا تقدم مساهماتها من أرباحها لبريد المغرب.

 

وأكد التقرير أنه يتضح من خلال معدلات إنجاز الاستثمارات ببريد المغرب، أن نسبة الإنجاز لم تتعد 56% في المتوسط ما بين 2013 و2020 (و50% فقط للفترة 2018-2020). وتعبر هذه النسبة عن عدم قدرة الشركة على تنزيل وإنجاز جميع المشاريع الاستثمارية المبرمجة سواء في عقد البرنامج 2013-2017 أو في الميزانيات السنوية، مسجّلا هشاشة النموذج التنموي للمجموعة بالاعتماد بالدرجة الأولى على مداخيل البريد بنك، حيث ارتفعت مساهمة البريد بنك وشركتها التابعة، بريد كاش، من حوالي 55 % سنة 2015 إلى 62 % سنة 2019 من إجمالي رقم المعاملات الذي تحققه مجموعة بريد المغرب. إننا أمام شركة تابعة بمعدلات نمو وأرقام معاملات تفوق تلك التي تسجلها الشركة الأم، الى جانب ضعف النماذج التنموية المتبعة في الشركات المتبعة، ما عدا شركة البريد بنك التي تعتبر مؤسسة ائتمانية خاضعة لمراقبة بنك المغرب.

 

من جهة أخرى، خلصت المهمة الاستطلاعية، بعد عقدها 13 اجتماعا استغرقت مدة الاشتغال فيها 22 ساعة امتدت من 29 مارس إلى غاية 6 يوليوز 2021، إلى اقتراح 82 توصية أبرزها، اعتماد مخطط تحسين حكامة المجموعة من طرف مجلسها الإداري والسهر على تنفيذه؛ تفادي حالات التنافي في تعيين أعضاء هيئات الحكامة، وتعيين أعضاء مستقلين إعمالا بمقتضيات القانون المتعلق بالشركات المساهمة ولمقتضيات الميثاق الوطني للحكامة الجيدة.

 

ودعت اللجنة الى ضرورة احترام مقتضيات ميثاق الحكامة الجيدة المتعلق بالمقاولات والمؤسسات العمومية؛ والإسراع بإصدار قانون جديد للبريد وإعادة النظر في النموذج الاقتصادي؛ وبإرساء عقد برنامج بين الدولة ومجموعة بريد المغرب، إثر انتهاء عقد البرنامج السابق (2017).

 

وشدّد تقرير لجنة مراقبة المالية العامة، على فصل بريد المغرب عن البريد بنك ونقل رأسمال البريد بنك من بريد المغرب إلى الدولة من أجل تمكين البريد بنك من فرص تنموية أفضل وتمكين بريد المغرب من التخصص في مهنه الأساسية وتحرره من القوانين التي تخضع لها المؤسسات البنكية، وإعادة النظر في النموذج الاقتصادي والمالي لمجموعة البريد، ووضع نموذج تنموي جديد مرتبط بالمهام الرئيسية لبريد المغرب؛ ومنخرط في إطار تنفيذ التوجيهات الملكية السامية الرامية لإصلاح القطاع العام، مع الاخذ بعين الاعتبار تداعيات الأزمة الصحية كوفيد 19، ووضع ميثاق عام للرقابة الداخلية يسمح بإضفاء الطابع الرسمي على أهدافها وتنظيمها على وجه الخصوص.

 

كما دعت الى تحسين منظومة المخاطر وآليات المراقبة الداخلية، واعتماد المحاسبة التحليلية، وفقا لأحدث المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية (IFRS)، وتجميع حسابات المجموعة شركات التابعة في الآجال المعمول بها، واتباع سياسة تدبير الموارد البشرية أكثر شفافية تستهدف تقوية الإنتاجية والمردودية والتحكم في كتلة الأجور، وفك الارتباط في تدبير الموارد البشرية بين شركة بريد المغرب م.ش (الشركة الأم) والشركات التبعة لها.

 

وأكد تقرير اللجنة على ضرورة السهر على تحسين آجال الأداء بشركة بريد المغرب والشركات التابعة، وإطلاق عملية تدقيق استراتيجي للتسيير الإداري والتدبير المالي في مجموعة بريد المغرب، وتقوية التدخلات التجارية وتحسين استهداف القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، وكذا التحكم في النفقات والعمل على إنجاز الدراسات القبلية للجدوى الاقتصادية والربحية قبل إطلاق البرامج والمشاريع، وتوفير المعطيات المحاسباتية لبريد لمغرب وشركاته التابعة في الآجال المعمول بها (غياب حسابات سنة 2020).

 

وأوصت لجنة مراقبة المالية العامة وفق التقرير ذاته، بالانتقال من تدبير الموارد التقنية والمعلوماتية إلى تدبير الخدمات الموجهة للزبناء، مما سيضع هذه الأخيرة في صلب اهتمام النظام المعلوماتي التجاري وتكنولوجيا المعلومات، مشددة على ضرورة وضع رؤية وسياسة واضحة لإحداث الشركات التابعة الجديدة؛ وأن يدخل أي إحداث جديد في إطار استراتيجية تهدف إلى خلق قيمة مضافة جديدة للمجموعة خارج العلاقات التجارية البينية بين شركات المجموعة؛ تحقيق التكامل بين مهن مجموعة بريد المغرب وتفادي ظاهرة “المنافسة الداخلية” بين الأنشطة داخل المجموعة.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)