أغنام بيضاء و “دغمة”..التمييز الذي جنى على بني كيل ويلات الأزمة!

 

لم يشهد سكان قبائل بني جيل الرحل المعروفين بتربية الماشية، أزمة كالتي يحيون على وقعها اليوم، لقد بارت تجارتهم بشكل لم يكن في الحسبان، وأصبح أغلبهم يفكر في الخلاص من حياة الترحال ولو على حساب ما يملك من شياه ومتاع قليل.

 

صحيح أن منطقة الظهرة أو ما يعرف بالنجود العليا إقترن إسمها دائما بالجفاف.. هذا الجفاف الذي تحول إلى معطى هيكلي، بالرغم من قساوته وأثره على نشاط الكسب إلا أن الرحل وعموم سكان المنطقة تأقلموا معه بشكل أو بأخر.

 

لكن في حقيقة الأمر ليس وضع الجفاف ما يقلق الكسابة اليوم بعد تداعي جائحة كورونا، وإنما هناك سبب موضوعي يجعل من هذا النشاط قاب قوسين أو أدنى من الافلاس الشامل، وهو التمييز الحاصل في قطاع الماشية بهذه المنطقة.

 

قبل سنتين حاول عدد من سكان المنطقة تأسيس جمعية للدفاع وتثمين الأغنام البيضاء، كان رشيد عياط واحد من الذين اجتمعوا في بلدة تندرارة لهذا الغرض، على غرار باقي الجمعيات التي تدافع عن سلالات أخرى، لكن هذه الجمعية منذ ذلك الحين وهي تبحث عن الإعتراف لدى السلطات المعنية.

 

رفضت السلطات تسلم ملف الجمعية، بعلل لم يستوعبها رشيد ورفاقه، لكن تظل في رأي العديد من المتابعين غير مؤسسة، وأن رفض تسلم الملف هي الشجرة التي تخفي غابة “الحكرة” التي تعاني منها هذه السلالة منذ عقود، فقرروا في النهاية سلك المسطرة القضائية لحيازة الاعتراف القانوني بجمعيتهم، وهي المسطرة المفتوحة حتى الآن.

الأغنام البيضاء التي قدمت أول ما قدمت إلى التراب المغربي قبل الاستوطان فيه منذ عقود، من الجارة الجزائر، وحسب بعض الروايات فهذه السلالة في الأصل أسترالية.

 

هذا المسار سيتحول عند لوبي الدفاع عن سلالات أخرى محلية كسلالة الدغمة الحائزة علامة المؤشر الجغرافي المحمي، لورقة يتم إشهارها كلما حاول كسابة هذه السلالة البحث عن موطئ قدم لهم في هذه الأرض، لتنمية وتثمين ما يكسبون!

 

على بعد 30 كلم، جنوب تندرارة، وبعد الانحراف عدة كلمترات عن الطريق المعبدة، ضرب أحمد الغزالي، وهو واحد من مربي الأغنام، خيمته علّ ماشيته تجد ما ترعى عليه.

 

يتحدث غزالي بحرقة كبيرة عن التمييز الذي يلحقهم هم كسابة السلالة البيضاء، ويؤكد بأن حوالي 90 في المائة بل 95 في المائة من الكسابة بالمنطقة يحوزون الأغنام البيضاء، بما فيهم الذين يدعون تثمين الذغمة فقط، فهؤلاء وفق غزالي وغيره من الكسابة الذين التقطتهم شمس بوست يدفعون ببعض شياه الدغمة في الواجهة فيما كسبهم ومصدر دخلهم الأساسي يتأتى من السلالة البيضاء، كل ذلك لينالوا دعم الدولة على القطيع كله بدغمته وبيضائه!

 

غزالي يؤكد بأن سلالتهم البيضاء التي إكتسبت اليوم خصائص محلية وتأقلمت مع مناخ الظهرة، وأضحت أكثر إنتاجا من الدغمة، محرومة من كل أنواع الدعم التي تخصصها مصالح وزارة الفلاحة للدغمة بعلة الاعتراف والمحلية.

 

وأشار غزالي بأن هذا الوضع، أدى ويؤدي باستمرار إلى إفلاس العديد من الكسابة، خاصة مع تلاحق الأزمات، حيث بسبب ضعف الدعم الموجه لهم، أضحت أسعار الماشية اليوم في أدنى مستوياتها منذ عقود، ربما منذ فترات الجفاف الغابرة التي عرفها المغرب.

 

وإذا كان الكساب يعتمد في دورته الاقتصادية على بيع المنتوج لضمان الاستمرارية له ولباقي القطيع، فإن البوار العام الذي عمقه هذا التمييز سيدفع لا محالة، بل دفع فعلا الكسابة الصغار إلى طي خيامهم والبحث عن الخلاص في المراكز والقرى القريبة.

المقلق وفق عدد من المتابعين لهذا الملف، هو أن هذا اللوبي الذي يزيد من تعميق فجوة التمييز، هو لوبي بامتدادات حزبية، يسعى دائما إلى تخليص الأتباع حتى وإن كان الأمر تطلب تقديم معطيات غير صحيحة ودقيقة عن حجم ونسبة الدغمة في مجموع القطيع.

 

هنا يطرح بعض الكسابة تحديا على ملاك الدغمة بأن يلتزموا بتموين السوق والمجازر إن كانت سلالتهم هي الغالبة، هؤلاء الكسابة يجزمون بأن ملاك الدغمة لن يتمكنوا من تموين السوق ولو لأسبوع واحد!

 

وأكثر ما يحير عموم الكسابة، هو أن هؤلاء تجدهم يؤثثون جميع المناسبات التي تدعي البحث عن حلول، في حين أن الكسابة يعتقدون بأن جزء من حل المعضلة يكمن في تفكيك هذا اللوبي وقطع امتداداته الحزبية والسياسية، التي تحول دون تثمين البيضاء الغالبة والتي يمكن التعويل عليها اليوم لخلق التنمية المحلية.

 

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)