بوشكور: تأخر كبير في إنجاز تصميم إعداد التراب بجهة الشرق..و 4 أشهر غير كافية لبلورة وثيقة إستشرافية

هل ستحصل الجهة في النهاية على تصميم جهوي لإعداد التراب يستجيب لمتطلبات الساكنة؟ لعل هذا هو السؤال الذي شغل بال عدد من أعضاء اللجنة الاستشارية لإعداد تصميم التراب، عقب الاجتماع الذي عقدته اللجنة الجمعة الماضي، ولم يتمكنوا من طرح وجهات نظرهم فيما قدمه مكتب الدراسات.

 

لعل شرعية هذا السؤال، نابعة من كون بأن هناك توجيه لإتمام المشروع في متم ماي المقبل، فكيف سيتم ذلك والتصميم هو في بداية التشاور الترابي؟

 

أسئلة وأخرى، يحاول سوفيان بوشكور، أستاذ الإقتصاد، بكلية الحقوق بوجدة، والمتخصص في التنمية الترابية، الإجابة عنها، في هذه الدردشة مع شمس بوست.

 

ـ ما هي سياسة إعداد التراب الوطني؟ 

 

سياسة إعداد التراب الوطني تعتبر “أم السياسات العمومية ” وقاعدتها الأساسية، هي سياسة إرادية للدولة تهدف إلى تحقيق التوزيع العادل للأنشطة الاقتصادية والإنسان في مجال ترابي معين، سواء وطني أو جهوي أو إقليمي.

 

 وما دمنا نتحدث عن جهة الشرق يطرح السؤال هل نحتاج فعلا لسياسة إعداد التراب على جهة الشرق؟

 

للإجابة عن هذا التساؤل يكفي استحضار بعض المؤشرات منها:

  • تمركز 70% من ساكنة الجهة بأربع مجالات : وجدة والناظور وبركان وتاوريرت؛ والساكنة دائمة تتبع الأنشطة الاقتصادية والبنيات التحتية وهو مؤشر عن التفاوتات التنموية بين شمال الجهة وجنوبها؛
  • نسبة البطالة بالجهة الذي يعتبر معدلها الأعلى وطنيا حوالي نسبة البطالة فاقت بالجهة 24,6% (حسب أخر مذكرة إخبارية للمندوبية السامية للتخطيط حول وضعية سوق الشغل بالمغرب خلال الفصل الثاني من سنة 2020).
  • مساهمة الجهة في الناتج الداخلي الخام ضعيفة جدا ولا تتعدى 4,9% وهذا ما يفسر ضعف النسيج الاقتصادي للشرق وعدم قدرته على امتصاص بطالة الشباب.

وعليه، جهة الشرق أكثر احتياجا لسياسة جهوية لإعداد التراب الوطني تتجسد أولا من خلال انجاز التصميم الجهوي لإعداد التراب الوطني الذي يحدد التوجهات التنموية الكبرى للجهة، وكذا السهر على تنزيله فعليا من خلال برامج تنمية الجهة (PDR) كما ألزم القانون 111-14 المنظم للجهات بذلك.

 

ـ كما تعلم، جهة الشرق بصدد انجاز تصميمها الجهوي، ونظم يوم الجمعة الماضي اللقاء الثاني للجنة الاستشارية لإعداد التراب لتقديم مخرجات التقرير التشخيصي، فما من و جهة نظركم المدة المحددة لإنجاز هذا التصميم؟ وهل باستحضار، المرحلة الحالية من الإنجاز و وتيرته يمكن إتمامه في ظل ولاية المجلس الحالي؟

 

يجب أن نستحضر هنا معطى أساسي، وهو تاريخ توقيع اتفاقية إنجاز التصميم الجهوي يوم 22 شتنبر 2016، وأن الانطلاقة الفعلية للإنجاز أعطيت بتاريخ 8 فبراير 2019 خلال اللقاء الأول للجنة الاستشارية لإعداد التراب لجهة الشرق. أي أن هناك تأخير كبير في الإنجاز وكان من المفروض أن يكون جاهزا في ظرف 12 شهر وهي مدة الإنجاز التعاقدية مع مكتب الدراسات المشرف على إعداده.

 

يوم الجمعة الماضي اجتمعت اللجنة الاستشارية في دورتها الثانية وخلص اللقاء، حسب ما استقيته من أخبار من منبركم من خلال مقالكم السابق حول الموضوع، بتوصية تسريع وتيرة الإنجاز لإنهاء التصميم الجهوي متم شهر ماي تقريبا، أي خلال 4 أشهر، وهي المدة لإنجاز مرحلتان بالغتي الأهمية وهما:

 

  • بلورة الخيارات الاستراتيجية ومجالات المشاريع والبرمجة؛
  • برنامج المندمج للتنمية الجهوية والذي يشكل أرضية للتعاقد بين الجهة والدولة.

يمكن القول أن أساس الدراسة وجوهر التصميم سيبدأ بداية من هذه المراحل، فهل المدة المتبقية ستمكن من ذلك؟

 

من الناحية العملية، ومادام مكتب الدراسات قبل بالأمر، فهو أدرى بإمكانياته وممكن انجاز ما تبقى في 4 أشهر وسيتم إنجاز التصميم في ظل ولاية المجلس الحالية. لكن بالمقابل، من الناحية العقلانية والمنهجية يصعب جدا بلورة وثيقة استشرافية وبلورة الخيارات ومجالات المشاريع والتخطيط الاستراتيجي ل25 سنة المقبلة في مدة قصيرة، لأن ذلك سيؤثر على جودة المخرجات والأفكار.

 

 التخطيط الاستراتيجي للتنمية يستوجب ورشات استشرافية في كل أقاليم الشرق ومدة كل واحدة تتجاوز يومين على الأقل، فهل لمكتب الدراسات فرق عمل متخصصة وبالعدد الكافي لإنجاح العمل الميداني وخاصة ورشات الاستشراف الترابي؟

 

ويستوجب الأمر بعد ذلك تجميع المعطيات وتطعيمها بخبرة مكتب الدراسات لمطابقتها مع الاستراتيجيات القطاعية المبرمجة بالجهة لمدة 25 سنة المقبلة، واقتراح مشاريع مستقبل جهة الشرق تستجيب ليس فقط لمتطلبات الحاضر بل لساكنة جهة الشرق سنة 2040. فهل هذا العمل ممكن خلال 4 أشهر ناهيك عن مرحلة إعداد برنامج العمل المندمج الجهوي؟

 

ما أؤكد عليه شخصيا، أن هناك فرق كبير بين الزمن السياسي والزمن التنموي، وأتمنى أن يرجح مجلس الجهة مصلحة الجهة في حقها في التنمية المستدامة والمرنة، وألا يتسرع في انجاز التصميم، الذي  له أهمية قصوى ويرهن مستقبل الجهة لـ 25 سنة المقبلة، و هو أساس برامج تنمية الجهة للمجالس المقبلة لأنها مطالبة بإنجاز برامجها انطلاقا من التصميم الجهوي لإعداد التراب.

 

ـ  ما هي العناصر الأساسية التي يتوخى الإجابة عنها هذا التصميم؟

 

هذا السؤال جد مهم،  وهو الذي يمنح الشرعية العلمية وحتى القانونية لطلب التريث في إنجاز التصميم، وعدم التسرع في انهائه. فحسب المادة الثانية من المرسوم 2.17.583 الذي يحدد مسطرة إنجاز التصميم توجب ضرورة مراعاة الإطار التوجيهي للسياسة العامة لإعداد التراب على صعيد الجهة في إنجاز التصميم. 

 

وعليه، فالإطار التوجيهي هو الذي يحدد العناصر والاشكالات والرهانات التنموية التي يجب على التصميم الإجابة عنها واقتراح مشاريع استشرافية لحلها. فالإطار التوجيهي لم تقدمه الوزارة الوصية ولم يمضي سوى بضعة أسابيع قليلة على إصدار الحكومة لمرسوم يحدد تركيبة اللجنة بين الوزارية التي تقود المشاورات بخصوص الإطار التوجيهي مع وزارة إعداد التراب الوطني.

 

فلا يجب الاعتماد فقط على الإطار التوجيهي (جهويا) الذي أنجز كحل وسط لأنه لا يستجيب لروح ومضمون  المادة الثانية من المرسوم 2.17.583 التي تفرض التشاور بخصوصه من طرف اللجنة البين وزارية لتنزيل أمثل للسياسات القطاعية على صعيد الجهة.

 

لكن عموما يكفي استحضار مؤشرات اليقظة السالفة الذكر لتقديم الخطوط العريضة للاكراهات التي تواجهها جهة الشرق:

 

  • الشرق جهة تستهلك ولا تنتج بالقدر الكافي، وهو ما يستوجب التفكير الجلي في أسس خلق الثروة بالجهة، وكيفية إنعاش القطاعات المنتجة لرفع الناتج الجهوي الخام وخلق فرص الشغل.

 

  • خلق فرص الشغل باستقطاب الاستثمارات الكبرى، لأن الرهان على الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، رغم أهميته، لن يقوى على المساهمة في الناتج الجهوي نتاج ضعف مسالك التسويق ولن يمكن في إمتصاص القدر الكبير من العطالة.

 

  • تعمير وتنمية الأقاليم الجنوبية للجهة بتوطين المشاريع والبنيات التحتية الكبرى وجعل جنوب الجهة رواق تنموي Corridor ومنفذ تنموي لجنوب المغرب نحو ميناء الناظور غرب المتوسط.

 

  • جعل ميناء الناظور غرب المتوسط، ليس هدف تنموي في حد ذاته، كي نرهن عليه مستقبل الجهة دون مشاريع مصاحبة، بل وجب اعتبار بنية تحتية مهيكلة ذات أهمية قصور يجب الاستفادة منها كحافز لاستقطاب استثمارات بالجهة.

 

  • التنمية القروية وتنمية المراكز الصاعدة وفق منهج جديد. فجهة الشرق تحتضن 96 جماعة قروية من بين 124 جماعة ترابية بنفود الجهة، ونجد أحيانا مدن بطابع قروي.

 

ـ  خلال إجتماع اللجنة الاستشارية لإعداد التراب، لوحظ اقتصار المداخلات التي أعقبت عرض مكتب الدراسات، على الوالي وعمال الأقاليم،  هل القانون المنظم يمنح صلاحيات أكبر للولاة والمعمال في إعداد التصميم؟

 

 لم أكن حاضرا لهذا الاجتماع، وبالتالي لا علم لي بنوعية التدخلات، لكن اللجنة الاستشارية لإعداد التراب الوطني المحدثة بموجب المادة 5 من مرسوم عدد 2.17.583 والتي تعهد رئاستها لوالي الجهة بهدف تنظيم المشاورات وإبداء الرأي حول مشروع التصميم الجهوي لإعداد التراب. ومن تم فالهدف من اللقاء أن يبدي الجميع رأيه في التشخيص وتصحيح معطياته واغنائه ليصبح تشخيص تشاركي، وكي لا يتم الاحتجاج مستقبلا على مخرجات الدراسة.

إعداد التراب الوطني سياسة صعبة التنزيل، لهذا أساسها هو التشاور والتوافق على التوجهات الكبرى بين فاعلي نفس الجماعة كمستوى أول وفاعلي الإقليم كمستوى ثان وبين فاعلي الجهة كمستوى ثالث. لهذا جاء المشرع في المرسوم السالف الذكر بهيئات حكامة جدية كاللجنة الاستشارية لإعداد التراب.

وتتألف اللجنة الاستشارية حسب المادة 5 من المرسوم 2.17.583 من الأعضاء التالي بيانهم:

  • والي الجهة رئيسا؛
  • رئيس مجلس الجهة؛
  • عمال العمالات والأقاليم الواقعة داخل النفوذ الترابي للجهة؛
  • رؤساء مجالس العمالات الواقعة داخل النفوذ الترابي للجهة؛
  • رؤساء مجالس الجماعات الواقعة داخل النفوذ الترابي للجهة؛
  • رؤساء الهيئات الاستشارية المنصوص عليها في المادة 117 من القانون التنظيمي 111.14 المتعلق بالجهات؛
  • ممثلو المصالح اللامتركزة للإدارة المركزية بالجهة؛
  • مديرو المؤسسات والمقاولات العمومية بالجهة.

كما يمكن لرئيس اللجنة أن يدعو كل شخص يرى فائدة في حضوره.

 

وبالنسبة لسلطات ممثلي وزارة الداخلية، فقد زكاها المشرع وأقرها في القانون التنظيمي 111-14 وكذا في المرسوم 2.17.583 لدعم ومصاحبة مجلس الجهة في إنجاز التصميم، لهذا منح رئاسة اللجنة الاستشارية للسيد الوالي. بالمقابل فالمشاورات مفتوحة في وجه جميع أعضاء هذه اللجنة دون استثناء، وإلا ما الغاية من خلق هذه اللجة ما دامت لجنة القيادة موجودة والتي تضم في عضويتها السادة والي الجهة ورئيس الجهة وعمال أقاليم الجهة وبعض الإدارات الجهوية.

وتصعب الإجابة هل أعضاء اللجنة لم يكن لديهم ما يستوجب التدخل ام هي منهجية متبعة؟ ولكن ما هو أساسي خلال هذا النوع من اللقاءات الاستشارية هو استشارة أكبر عدد ممكن لضمان انخراطهم الفعلي في مسلسل الإنجاز من جهة، وكذا رفع درجة تملكهم للوثيقة كي ينخرطوا في مستقبل المراحل ويعم التوافق حول التوجهات الاستراتيجية.

 

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)