فدرالية المحامين الشباب: المحاكمات عن بعد “غير قانونية” ويجب إيقاف العمل بها

أصدرت فدرالية جمعيات المحامين الشباب بالمغرب، تقريرا حول المحاكمات عن بعد في ظل جائحة كورونا كوفيد 19، أبدت فيه ملاحظاتها وفق ما جمعه أعضائها في العديد من الدوائر القضائية عبر الحضور الميداني لتلك المحاكمات وتتبع إجراءاتها ومدى مطابقتها للقانون واحترامها لحقوق المتهم و الدفاع، انطلاقا من دورها القانوني والحقوقي.

وقالت الفدرالية في التقرير الذي توصّلت جريدة “شمس بوست” على نسخة منه، أن الجهات المسؤولة على قطاع العدالة في المغرب وعلى غرار باقي دول العالم، وجدت نفسها، خلال جائحة كورونا، مضطرة لإيجاد سبل محاكمة المعتقلين الاحتياطيين الذين رفضت مديرية السجون إحضارهم إلى المحاكم لمحاكمتهم طبقا للقانون.

غير أن اعتماد هذه المحاكمات (إجراء محادثة فيديو مباشرة بين قاعة المحكمة وقاعة السجن تجمع القاضي بالمتهم)، يؤكد التقرير، أثار نقاشا في الأوساط القانونية والحقوقية، وهو ما دفع الجهات المكلفة بالعدالة ببلادنا إلى إصدار تقارير بين الفينة و الأخرى لتعطي إحصائيات مهمة و لتعتبر المحاكمة عن بعد وسيلة ناجعة للبت في ملفات المعتقلين وتشيد بالتجربة لتستمر تلك المحاكمات إلى حدود تاريخه.

وعملت الفدرالية على تجميع الملاحظات بخصوص هذا الموضوع على صعيد ثلاث مستويات، وهم المستوى القانوني، المستوى الحقوقي، والمستوى التقني.

فيما يخص المستوى القانوني، أكدت الفدرالية أن المحامون “يكادون يجمعون على غياب أي سند قانوني للمحاكمة عن بعد، بل إن تلك المحاكمة تعتبر مخالفة لعدة مواد بقانون المسطرة الجنائية الحالي، مما يجعل إجراءاتها باطلة ويجب استبعاد العمل بها تحت ذريعة الوضعية الوبائية و حالة الطوارئ الصحية، زيادة على ذلك فإنه لا يتم الإجابة عن دفوع المحامين المثارة بشأن بطلان هذا النوع من المحاكمة، كما لوحظ أنه في حالة تمسك المحامي والمتهم بالمحاكمة الحضورية بالمحكمة تتم معاقبته بتأخير الملف لفترات طويلة، كما يتم رفض طلبات استدعاء المصرحين والضحايا في أغلب الأحيان و لا يتم الاستجابة لها رغم مشروعيتها دائما تحت ذريعة تجهيز الملفات”.

ولاحظت فدرايلة المحامون الشباب أن بعض قضاة التحقيق “يقومون بتأخير القضية لأشهر دون الاستماع للمتهم، و يتم البث في ملفات الأحداث المعتقلين بدون حضور دفاعهم أو ولي أمرهم أو المساعد الاجتماعي في عدة محاكمات، و هو ما يشكل عدة خروقات قانونية وجب التصدي لها بالشكل الذي يضمن المحاكمة العادلة”. وفق تعبير التقرير الذي أكد على أن العمل بهذا النظام “يعيق عمل القضاة و خصوصا في تكوين قناعتهم الوجدانية وتقدير الحكم انطلاقا من ذلك، فقد أصبحوا تقريبا لا يميزون بين المتهمين، بل في أحيان عديدة لوحظ أنه يتم إحضار متهمين لا علاقة لهم بالملف الذي يناقش بحضورهم عبر تقنية الفيزيوكونفيرونس، أيضا لا تمكن المحاكمة عن بعد القضاة من ضبط تصرفات وحركات وسكنات المتهمين ليعملوا قناعتهم الوجدانية في النوازل المطروحة أمامهم ليعكسوها على العقوبة تبعا لشخصية المتهم وتفريد العقاب، فقد تعطلت حواسهم و ملكاتهم التي أصبحت تستنفر لأمور أخرى مرتبطة بسماع وإسماع المتهم بكيفية واضحة  وما إلى ذلك من المعيقات الكثيرة التي تشوب المحاكمة عن بعد”.

أما على المستوى الحقوقي، فأوضح تقرير الفدرالية أنه “يتم تشجيع المتهمين على اختيار نظام المحاكمة عن بعد حتى ولو تعارض ذلك مع رغبة دفاعه و تشبثه بنظام المحاكمة الحضورية، فأصبح يتم تشجيع تعيين المحامين في إطار المساعدة القضائية حتى يتم التسريع في البث وتغليب المقاربة الكمية في الفصل في القضايا المعروضة على المقاربة النوعية”، الأمر الذي اعتبرته كذلك “مخالفا للقانون وينتهك حقوق المتهمين”، داعيا الى أخذه مأخذ الجد للبحث عن بدائل تكفل للمواطنين حقهم الإنساني والدستوري في محاكمة عادلة طبقا للقانون.

التقرير ذاته أشار إلى أن “المعيقات التقنية لهذه المحاكمة تضرب في الصميم حق الدفاع، إذ أن المتهم وفي أحيان عديدة لا يسمع ما يواجه به من طرف المحكمة، و لا يستطيع إسماع صوته لا لهيئة الحكم و لا للدفاع الذي يؤازره، إضافة إلى كون القضاة  يتحدثون عبر الحواسيب الموضوعة أمامهم وهو ما يجعل أصوات باقي الحاضرين من أطراف ومحامين غير مسموعة للمتهم، الذي لا يستمع أيضا إلى مرافعات المحامي، ولا باقي أعضاء الهيئة و الدفاع ولا يطلع على وقائع محاكمته أو الوثائق التي تناقش في غيابه و هو ما يشل المتهم و يغل يده في الدفاع عن موقفه بالشكل السليم”.

مع هذا الوضع الكارثي، يوضح التقرير، “أصبح لمحاضر الشرطة القضائية الدور الأساسي في عرض الوقائع وتحديد القرائن وإثبات الإدانة وأصبح لسلطة الاتهام الحاضرة في القاعة فرص أكبر لإثبات الإدانة وتدنت فرص المتهم الغائب مكانيا عن القاعة في إثبات براءته أو على الأقل التماس الأعذار وشرحها فصارت المحاكمات قاعات لتقدير العقوبة عوض أن تكون فضاءات لتحقيق العدالة و الأمن القضائي”.

أما على المستوى التقني والأخير، فأكدت فدرالية جمعيات المحامين الشباب بالمغرب في تقريرها، أنه في كثير من الأحيان “تشهد المحكمة ضعفا في صبيب الإنترنت مما يتسبب في انقطاع الصوت أو الصورة أو في انقطاع الاتصال بشكل كلي في العديد من المرات بل إن جلسات أخرت على الحال لهذه العلة وهو ما يجعل المتهم ودفاعه والقاضي يتأثرون بعوامل خارجية مما يؤثر سلبا على سير المحاكمة، مؤكداً على أن البنية اللوجيستيكية عموما تعرف ضعفا ملحوظا وجب تداركه”.

هذا إلى جانب توفر أغلب السجون على قاعة واحدة لهذا الاتصال وعلى حاسوب واحد وهو ما يستحيل معه، وفق التقرير، عقد عدة جلسات للمعتقلين في وقت واحد مما ينجم عنه تأخر دائم في توقيت هاته الجلسات بما يصاحب ذلك من إرهاق للقضاة و المحامين .

التقرير ذاته حمل اقتراحات من شأنها ضمان حق المواطن في محاكمات عادلة، مؤكدا على أن “المحامي يبقى حريصا على الدفاع عن حقوق الإنسان التي تبقى المحاكمة العادلة جزء لا يتجزأ منها، وأن الاعتقال الاحتياطي تدبير استثنائي ويجب اعتباره كذلك، بإعمال الوسائل البديلة عن هذا الاعتقال، والتي تتماشى والظروف الاستثنائية التي تعرفها الوضعية الوبائية بالمغرب”.

ودعت فدرالية جمعيات المحامين الشباب بالمغرب، في ختام تقريرها، إلى إيقاف العمل بالمحاكمات عن بعد لـ”ثبوت عدم نجاعتها، خصوصا وأنه أصبح من الممكن معه إحضار المتهمين للجلسات الحضورية، خصوصا مع معاينة أن مسطرة التقديم، على سبيل المثال، أمام النيابة العامة تكون حضورية، ولكون التعايش مع الوباء أصبح واقعا يفرض نفسه ولم يعد لإدارة السجون أي مبرر في الاحتفاظ بالمعتقلين الاحتياطيين بالمؤسسات السجنية ورفض إحضارهم للمحكمة”.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)