يوميات في حضرة الشوافة – 24-

انتقلت إلى زاوية الحديقة، وشرعت في غرس الفأس بالحفرة الثالثة بحثا عن الطلاسيم المزعومة المدفونة بحديقة “لالة زينب ” أقلب الأرض تقليبا، وأنا أتلو سورة لقمان، وهي السورة التي تعجبني كثيرا وكنت أرددها بشكل مستمر، قد حفظتها من عند جدي رحمه الله حينما كنت أرافقه في كل تحركاته وخاصة خلال السنوات الأخيرة من حياته أين فقد بصره، إذ كنت أرافقه إلى المسجد والحمام والسوق، وإلى مجالس الذكر الذي كان يشرف عليها، حيث كان يتميز بفن الخطابة وبثقافة دينية واسعة، ويحظى باحترام وتقدير كبيرين من طرف الجميع، فيتم استشارته من طرف سكان الحي والقبيلة أيضا في الأمور الدينية والدنوية، وكان لا يتردد في التدخل بخيط أبيض لفض المنازعات وإقامة الصلح بين المتخاصمين، حصل أن ذهبت معه إلى القرية لحضور عرس أحد أقاربنا، وفي الوقت الذي كان فيه الجميع يتابع الفرسان وهي تركض بسرعة البرق، في إنتظار أن تخلي السربة طلقات البارود في السماء، وقع ما لم يكن في الحسبان، بندقية فارس تنشطر إلى نصفين، طار نصفها وسقط على طفلة صغيرة كانت تتابع الخيل وهي تجري، ماتت الطفلة على الفور، توقف الفرسان وتوقف الغياطة والطبالة، والتف الجميع حول الطفلة الصغيرة، خيم الحزن والأسى على المكان، تفضل أحد الشبان حمل الطفلة بين ذراعيه وهي تنزف دما في اتجاه المسجد من أجل تغسيلها في إنتظار دفنها.

 

1. دعا جدي شيوخ القبيلة إلى إجتماع طارئ، لمناقشة الموضوع، كنت أصغر الحضور في هذا الإجتماع الطارىء الذي خلص إلى عناق بين والد العريس والفارس الذي انقسمت بندقتيه إلى شطرين ، ووالد الضحية، وتقرر دفن الطفلة عصرا، وتتمة مراسيم العرس ليلا شريطة أن يدفع والد العريس تعويضا ماليا إلى والد الطفلة، رفع الإجتماع وتوجه الجميع إلى المسجد لتقديم العزاء في إنتظار وصول موعد آذان العصر لدفن الطفلة.

 

بدأ اليأس يتسرب إلى نفسية “لالة زينب” فنحن في المرحلة الأخيرة والحاسمة من الحفر، ولم نعثر بعد على الطلاسيم المدفونة بالحديقة ، حان إذن الوقت لإنهاء المهمة، عدت مرة أخرى إلى الحفرة الثانية وسط الحديقة أين كنت قد وضعت الطلاسيم من قبل كما اتفقت مع “الشريفة”، شرعت في الحفر من جديد وأنا أرفع بعض الشيء من صوتي في تلاوة القرآن، وماهي إلا ضربات بالفأس حتى ظهرت الطلاسيم، طارت “لالة زينب” من كثرة الفرح، بدت كطفلة صغيرة تلعب و تركض في حديقة شاسعة تطارد طائرا جميلا، جمعت الطلاسيم وهي مزهوة بانتصارها عن ضرتها، غادرت نحو البيت، قمت بردم الحفر الثلاث بعناية فائقة حتى لا أترك أثرا باديا للحفر، وأنا أجوب بنظري تلك الحديقة الشاسعة التي كنا نتسلل إليها لجني ما طاب ولذ من فواكه، ها أنا أدخلها اليوم من بابها الواسع، ولكن ليس بغرض الجني، بل لغرض البحث عن الطلاسيم المدفونة.

 

نادتني “لالة زينب” دخلت عندها إلى المطبخ، أعطتني كوب عصير وقطعة من الحلوى، وما أنهيت من الأكل حتى ناولتني مبلغ 100 درهم، وقفة بها بعض الملابس و قارورة عطر وعلبة قهوة وأخرى للشاي سررت كثيرا بهدية “لالة زينب”، حملت القفة على كتفي، أمرتني أن ألحق بها دخلت إلى “الكاراج” أنظر إنها الدراجة الهوائية التي سبق لي أن وعدتك بها، اندهشت للأمر، وقبل أن أودعها طلبت مني أن أحمل الفأس و”البالة” معي.

 

غادرت باب الفيلا وأنا أشعر بسعادة غامرة، أشعر بأنني أسعد إنسان في الوجود، فكرت التوجه إلى “الجوطية” لبيع الفأس و”البالة” لكن تراجعت عن قراري وتوجهت نحو منزلنا.
يتبع

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)