يوميات في حضرة الشوافة – 20 –

كانت الساعة تشير إلى حوالي التاسعة صباحا، حركة خفيفة يعرفها الزقاق، طرقت باب منزل “الشريفة” فتحت وكعادتها الخادمة “زهرة” توجهت مباشرة نحو قاعة الإنتظار للشروع في عملي المعتاد، أخرجت “المجمر” إلى الزقاق من أجل إشعاله، فجأة وصل ذلك الفلاح المسكين الذي سبق له أن زار بيت “الشريفة” من أجل البحث عن ماشيته التي سرقت من منزله وعلامة الفرحة بادية على وجهه، أخبرني أنه عثر على أغنامه وهي تباع في سوق الأربعاء بمدينة مكناس تماما كما أكدته له “الشريفة” أثناء زيارته لها، وأنه جاءها ليشكرها ويكرمها على معروفها، دخلت مسرعا عندها أخبرتها بالأمر، طلبت مني أحتفظ به في قاعة الإنتظار حتى تجهز نفسها، ارتدت عباءتها الخضراء، ووضعت معصما على جبينها، وانزوت في مكانها المعهود، وفي الوقت الذي كنت أعتقد فيه أن أول شيء ستقوم به هو إستقبال الفلاح لتتباهى بقدرتها ومعجزتها في تحقيق مآرب زبناءها، أمرتني بإدخال زبونات أخريات، وترك الفلاح حتى تمتلىء قاعة الإنتظار.

 

بدأت الزبونات تتقاطر على القاعة، من مختلف الأعمار، شابات في مقتبل العمر وأخريات عجائز، أتين كلهن لبيت “الشريفة” بحثا عما يخفيه الحاضر والمستقبل عنهن وفق اعتقادهن، وهن يخطفن النظرات من ذلك الفلاح صاحب الجلباب الصوفي الذي ينتظر دوره لملاقاة “الشريفة” بعدما قضى حاجته وتوصل إلى قطيعه الذي سرق منه.

 

أمرتني “الشريفة” بإدخال الفلاح، قبل رأسها وجلس أمامها وشرع يحكي لها قصة عثوره على ماشيته بسوق الأربعاء لمدينة مكناس كما أخبرته بذلك في وقت سابق، وأن السارقين بمجرد ما رآه تركا القطيع وفرا إلى وجهة غير معروفة، وأنه جاء عندها الآن لمكافأتها عن عملها حيث خصص لها كبشا سمينا إن وافقت على ذلك، وأنه على إستعداد لمنحها أكثر ، ردت عليه “الشريفة” أن هديته مقبولة، قبل أن تأمره بأن يخرج إلى القاعة وأن يسرد حكايته أمام الزبونات، وما أن أنهى الفلاح حكايته حتى علت القاعة الزغاريد والتهليل بقدرة ومعجزة “الشريفة” في قضاء أغراض زبناءها.

 

عرفت الآن، سبب تأخير إستقبال ” الشريفة” للفلاح، وعرفت السبب الذي دفعها تتريث و تنتظر حتى تمتلئ القاعة بالزبونات، ليتسنى لها إظهار مدى قوتها وقدرتها على مساعدة الناس على قضاء أغراضهم على يدها وبواسطة ما تنعم به من بركات ، وخاصة أن الأمر يتعلق بالسرقة، وهو الموضوع الذي عادة ما يرفض “العرافات” الغوص فيه لما قد يترتب عنه من مشاكل في بعض الأحيان، أدركت أنها فرصة مواتية “للشريفة” لتبرهن لزبوناتها أنها تستيطيع فعل كل شيء، تطرد النحس، وتجلب الحبيب، وتطاوع المارد، وتطرد الجن من الأجساد، وتزيل الثقاف والتوكال وغيرها من الأمور الأخرى، وبشهادة حية من رجل سرقت ماشيته واستطاع استرجاعها بفضل كرامة “الشريفة”.
يتبع

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)