يوميات في حضرة الشوافة -19-

انتظرت جدة صديقي حتى عادت من عند جيرانها، استقبلتني بحرارة، عاتبتني عن غيابي، اعتذرت لها بلطف أخبرتها أنني أشتغل وليس لدي الوقت لزيارته.

 

تفهمت وضعي، أعرف أنها اشتاقت لي كثيرا، لأنها كانت تحبني لدرجة أنها تفضلني في أحيان عديدة على باقي أحفادها، لأنني كنت أعاملها معاملة خاصة أحترمها وأقدرها، وأصغي إليها، خاصة لما كانت تثور وتغضب لسبب من الأسباب، حيث ينفض من حولها الجميع لما تكون في حالة هيجان، فيما أبقى بجانبها أهدءها من  حتى تعود إلى حالتها الطبيعية.

 

ولا أتردد في تلبية طلباتها، وكانت تكلفني بمهام صعبة، ولا أحد من أحفادها يعترض على الأمر، لأنها كانت تشكل شخصية محورية داخل عائلتها ولا صوت يعلو على صوتها، ومن بين المهام التي كانت تكلفني بها، أنني أتولى المهام الخارجية التي تجمعها مع باقي بناتها وحفيداتها وزوجات أبناءه، وهي المهام التي كانت تقوم بها لوحدها ودون إشراك أحد، إلى أن أصيبت بكسر على مستوى الرجل، ولم تعد تسعفها أحوالها الصحية للقيام بمثل هذه المهام.

 

وتتمثل مهمتي أساسا في إيصال الأموال والحلي الذهبية وبعض الأغراض الأخرى إلى بناتها وحفيداتها ونساء أخريات من عائلتها، المال التي كنت أنقله كان عن طريق المعاملة الإجتماعية بين نساء العائلة إما عن طريق القرض أو المساعدة، وهناك عملية مالية أخرى كانت تجري بين نساء عائلة جدة صديقي، ويتعلق الأمر بعملية “دارت”.

 

أما حكاية الحلي الذهبية فكنت أتولى إيصالها للمرأة التي تحتاجها لحضور مناسبة ما، لأن الجدة كانت تحيز كمية كبيرة من الحلي الذهبية تقرضها لباقي نساء العائلة لحضور المناسبات، وما زاد في تعلقها بي، كونني كنت أنفذ كل المهام التي تطلب مني بنجاح طبعا في إحترام تام للتوجيهات التي تزودني بها أثناء القيام بالمهمة، حيث كانت تضع الأموال أو الحلي الذهبية داخل حزام من ثوب وتربطه بشكل محكم على بطني، ثم ترسم لي خريطة الطريق التي يجب أن أسلكها.

 

إذا كانت المسافة بعيدة تزودني بمصاريف النقل، أما إن كانت قريبة فإنني أمشي نحو وجهتي راجلا، وتنصحني بعدم إخبار أي أحد بالأمر بما فيهم حفيدها صديقي الذي يدرس معي في الفصل، وعدم اللعب مع الأطفال أثناء تأدية مهمتي وتجنب ما أمكن التجمعات وغيرها من النصائح والتوجيهات التي كنت أنفذها حرفيا خوفا من أي طارىء وخاصة أن الأمر يتعلق بالمال والذهب أيضا.

أخبرت الجدة، أنني اشتغل عند “الشريفة” أعرف أنها تعرفها جيدا، و أتيت عندها طلبا لمساعدة إحدى السيدات زبونات “الشريفة” لإقامة ليلة حمدوشية بيتها لطرد الجني الذي يسكن جسد ابنتها “ليلى” وأنها لم تعرف أية فرقة ولا حتى النساء اللواتي بإمكانهن تأثيث مشهد الليلة التي تتطلب طقوس غريبة ومثيرة جدا، لا يمكنها أن تحصل دون فرقة متمكنة ونساء متمرسات.

وافقت جدة صديقي التي كنت أناديها أيضا جدتي، على طلبي، بل الأكثر من هذا أنها وعدتني بأنها تتولى مهمة تأدية مصاريف الفرقة و باقي المستلزمات التي تتطلبها الليلة ما على أم “ليلى” سوى أن تتكفل بعملية إطعام الضيوف ، غادرت جدتي فرحا ومسرورا أنتظر وصول يوم غد لأخبر أم ليلى بالأمر بما جد بخصوص الليلة لطرد الجن الذي يسكن جسد “ليلى”.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)