يوميات في حضرة الشوافة -16-

خرجت الفتاة التي تدعي أن جنيا يسكن جسدها رفقة والدتها من عند “الشريفة”، أخبرتني والدة الفتاة أن “الشريفة” أعطتها هذه القارورة وأمرتها أن ترش عتبة الباب 7 مرات مع موعد آذان الفجر لمدة 7 أيام.

لا أدري لماذا ترتبط الكثير من الأعمال التي تقوم بها “الشريفة” بالرقم 7؟ القفز فوق السلاسل النحاسية والأقفال 7 مرات، 7 “رشات” 7 “تبخيرات” 7 أيام 7 ليالي.

كما أمرتها أيضا أن تقيم “الليلة” في منزلها مباشرة بعد الإنتهاء من عملية رش عتبة المنزل، لكنها لم تفهم قصدها من “الليلة” وطلبت مني أن أشرح لها الأمر جيدا، أكدت لها أنها تقصد ب” الليلة” هي أن تعملي على إحضار فرقة “حمدوشية” إلى المنزل، وتقومين بدعوة الناس لهذه “الليلة” وخاصة النساء اللواتي تعودن على حضور مثل هذه المناسبات من أجل “الجذبة”.

 

أجابتني المرأة التي عرفت من بعد أن إسمها “حسناء” وابنتها التي يسكن جسدها الجني “ليلى” أنها لم تعرف أية فرقة “حمدوشية” وأنها لا تعرف النساء اللواتي “يجذبن” عرضت عليها المساعدة، رحبت بالفكرة، طلبت عنوانها ووعدتها بزيارتها في بيتها بعد الإنتهاء من العمل لشرح تفاصيل “الليلة” غادرت “حسناء” وابنتها منزل ” الشريفة” وهي تذكرني بالموعد وأنها ستكون في إنتظاري.

عدت إلى قاعة الإنتظار، لأرتب أموري نادتني “الشريفة” دخلت عندها، أمرتني بأن أصاحب إحدى الزبونات نحو البهو لتتخطى السلسة النحاسية والقفل سبع مرات كما كنت أفعل مع الزبونات الأخريات اللواتي كن يعتقدن أنهن يعانين من “الثقاف”، بدأت الزبونة تقفز فوق السلسلة المربوطة بالقفل وأنا أعد قفزاتها، فجأة سقطت منها صورة شمسية.

 

علمت من بعد أن الصورة لشاب تعرفت عليه منذ 3 سنوات و تحبه إلى درجة الجنون وأنها على إستعداد لفعل أي شيء ليكون من نصيبها ويصبح زوجها، أخبرتني أنه يشتغل في سلك الجندية، وأنه وعدها بالزواج، وعلمت أن إسمه “عياد” ويبلغ من العمر حوالي 30 سنة، ويقطن بجوار عمتها وتعرفت عليه عن طريق شقيقته التي كانت تتردد على منزل عمتها، وعلمت أيضا أن إسم الفتاة “حياة” وعمرها 22 سنة وأنها تشتغل بمعمل النسيج بالحي الصناعي، و أنها شعرت خلال الآونة الأخيرة، أن حبيبها تغيرت مشاعره اتجاهها وأصبح يعاملها ببرودة عكس الأيام السابقة، الأمر الذي جعلها تتردد على بيت “الشريفة” من أجل مساعدتها لكي لا يطير من بين يديها، أخذت “حياة” الصورة قبلتها بدأت تنظر إليها بإمعان انهمرت الدموع من عينيها تبللت صورة حبيبها، أخرجت منديلا مطرزا مسحت صورة الجندي بلطف أعادتها إلى صدرها.

ذكرتني “حياة” بتلك الفتاة التي كانت تقطن بجوارنا وكانت تحب بدورها جنديا مرابطا بالصحراء، حيث كنت أتولى مهمة قراءة الرسائل التي كانت تصلها من عنده تم الرد عليها، لأنها لم تكن تعرف القراءة ولا الكتابة، وأنها لم تكن تثق في شقيقتها الصغرى الذي كانت تدرس معي في نفس الفصل خوفا من تسريب فحوى الرسائل إلى شقيقها الأكبر، وكانت كلما وصلتها رسالة من الجندي تبحث عني من أجل قراءتها وعدم إخبار أي أحد بالأمر، كما كنت أفعل مع العديد من الجيران.

وحصل مرة أن وصلت رسالة من الجندي، ليست كباقي الرسائل السابقة، يخبر من خلالها حبيبته وزوجة المستقبل، أنه لم يستطع زيارة أهلها خلال هذا الصيف من أجل خطبتها كما وعدها بذلك، لأنه أصيب برصاصة على مستوى الرجل اليسرى وأن عملية علاجه تتطلب بعض الوقت، وأخبرها أن حالته الصحية في تحسن وأن عليها لا تكثرت للأمر وأنه قريبا سيتعافى وسيعود إليها لإتمام مشوار حياته معها لأنه يحبها ولا يمكن أبدا أن يتخلى عنها.

وأنهى رسالته يطلب منها أن تبعث له صورة شمسية لها حديثه العهد لأنه أشتاق لرأيتها، وما أن أنهيت من قراءة الرسالة حتى تغيرت ملامح الفتاة، وبدت عليها علامة الحزن واضحة، حاولت حبس الدموع التي كانت تنهمر من عينيها لكنها لم تقو على ذلك، نهضت من مكانها وتوجهت نحو بيتها لكي تستعد للذهاب نحو محل التصوير لأخذ صورة حديثة من أجل إرسالها إلى حبيبها المصاب كما طلب منها ذلك.
يتبع

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)