يوميات في حضرة الشوافة -7-

لما اقتربت من الوصول إلى الحي، قررت عدم المرور بالقرب ساحة المسجد، تجنبا للقاء بعض الأصدقاء هناك، فمعنى اللقاء بهم في تلك الساعة المتأخرة من الليل حتما سيقودني إلى قضاء ليلة بيضاء منهمكا في لعب الورق “الرامي” حتى وصول شاحنة توزيع الحليب وسيارات توزيع الخبز على الدكاكين.

لكن كنت أفكر، أن مشاهدتي لفيلم “انتقام حية” خلال الفترة الليلية وبمفردي بسينما الأطلس و في “البالكون” والمضيفة لطيفة التي منحتني الحلوى والزريعة، يجب أن لا تمر هذه الأحداث دون أن يعرف أصدقائي الصغار وحتى الذين أكبر مني سنا في الحي مغامرتي هذه، تذكرت صديقي “سعيد” الذي كان يساعد والده في حراسة السيارات وبعض المحلات التجارية، وقررت المرور عنده للجلوس معه بعض الوقت، ثم أحكي له بعض تفاصيل مغامرتي، لكي ينقلها بدوره غدا إلى الأصدقاء في ” العوينة” وفي ساحة المسجد، وفي محل لعب ” البيار” حتى أعود خلال الفترة المسائية من عملي عند “الشريفة” لتأكيد ما رواه “سعيد” للأصدقاء مع إضافة بعض التفاصيل الأخرى.

ودعت صديقي متوجها نحو المنزل، وأنا أفكر في الطريقة التي ألج بها المنزل، لأنني لم أكن أتوفر على المفتاح، وكما تعودت على ذلك فهناك طريقتين أسلكهما للدخول إليه، إما التسلق إلى السطح عبر العمود الكهربائي الخشبي، أو الاستعانة بقطعة حديدية معقوفة كنت استعملها وسيلة لفتح الباب، و كنت أحتفظ بها داخل عداد الماء، وإن كنت أكره اللجوء إلى هذه الطريقة لأنها مزعجة وتتطلب بعض الوقت وبعض المهارات لفتح الباب دون إثارة انتباه والدي الذي كان يفضل النوم باكرا إذ مجرد عودته من صلاة العشاء يستسلم للنوم، وأن جدتي كانت فاقدة للبصر ولم تقو على الحركة للقيام بمهمة فتح الباب.

سرت لخطوات، فجأة موال لأغنية شعبية معروفة ينبعث من أحد السطوح، وقفت للحظة، لأعرف اتجاه الصوت المنبعث، خطرت ببالي فكرة التوجه إلى مكان الموسيقى لأقضي بعض الوقت هناك، حتى وصول الفجر، موعد خروج والدي إلى المسجد لينوب عن الإمام الذي عادة ما يتخلف عن الصلاة فجرا.

ما إن اقتربت من المنزل الذي كانت تنبعث منه الموسيقى حتى رمقت عيني بعض الوجوه من شباب الحي وهم في حالة سكر طافح، أدركت أن هذا العرس لا شك أنه سينتهي بمعركة ضارية بين بعض السكارى، وأهل العريس هكذا كانت تمر أجواء الأعراس بحارتنا، اقتربت من باب المنزل لجس النبض، والتفكير في تخطي الشيخ الذي كان يحمل هراوة غليظة بين يديه، ويعترض أي شخص أراد الصعود إلى السطح، باستثناء النساء والمدعويين.

 

تعرفت في بداية الأمر عن إسم هذا الشيخ، لفت انتباهي وجود طفل صغير ابن جيراننا أمام الباب حملته بين ذراعي طلبت من الحارس أن أوصل الطفل إلى والدته خوفا من أن يتيه، تردد قليلا، نادته امرأة، التفت الشيخ نحوها، حركة كانت كافية لأصل إلى منتصف الدرج، سلمت الطفل لوالدته، وانزويت بركن في السطح يطل على الزقاق وهو الوضع الذي أفضله أثناء حضور الأعراس بحينا، لأن هذا الوضع يسمح لي بمتابعة كل ما يدور ويروج من أحداث في الخارج التي تارة ما كانت تستهويني مثل هذه الأحداث، وخاصة إذا كان المشهد يضم وجوها معروفة داخل الحي بخوض معارك ضارية تستعمل فيها مختلف أنواع الأسلحة البيضاء وقد تطول المعركة بعد دخول أشخاص آخرين متمرسين في مجال الضرب والجرح ، لتمتد هذه المعارك حتى إلى سطح المنزل الذي يحتضن العرس، فيتوقف الحفل ويسود الخوف والرعب في صفوف المدعووين وأهل العرس، هكذا كانت الأجواء التي تمر فيها الأعراس بحينا في أحيان عديدة.

يتبع

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)