يوميات في حضرة الشوافة -5-

اقتربت الساعة من التاسعة ليلا، سرت أخترق الأزقة والدروب الضيقة للمدينة العتيقة، أسارع الزمن للوصول في الموعد المحدد إلى سينما الأطلس بزنقة “روامزين”، لمشاهدة الفيلم الهندي “انتقام حية” وهو الفيلم الذي كنت أمني النفس مشاهدته من قبل ولم أستطع، حيث فشلت في توفير ثمن التذكرة.

بدأ جرس السينما في الرنين، طوابير طويلة من الوجوه تتدافع وتتزاحم أمام بوابة القاعة لملامسة الشاشة العملاقة، لم يكن يخيفني الإزدحام ولا الاكتظاظ أمام قاعات السينما وأمام الملاعب الرياضية، فأنا أتقن جيدا لعبة التسلل داخل الحشود وتسلق الأسوار أيضا.

 

تعودت على ذلك، لما كنت أتسلل خلسة إلى مقبرة النصارى لأقطف ورود القبور لكي أهديها إلى صديقتي، وحينما كنت أتسلل إلى جنان “عبدالرحمان” لسرقة الرمان، تعلمت التسلق، لما كنت أتسلق أسوار الفيلات رفقة أصدقائي لجني ما لذ وطاب من الفواكه التي تزخر بها الحدائق المثمرة لهذه الفيلات، تعودت على ذلك حينما كنت أتسلق السور العالي للمركب الشرفي لتشجيع “الكوديم” لا تهمني قطع الزجاج الحادة التي كانت موضوعة في أعلى السور، فكل تركيزي كان ينصب بالأساس في نجاح مهمتي، فسقوطي أو تعثري أثناء تسلق السور معناه أنني سأقع في قبضة “المخازنية” وإن حصل ووقع، فأعرف أنني ” سآكل وأفرق” كما يقال أمام هتاف الجماهير التي كانت تنتظر فرصة الدخول “فابور” إلى أرضية الملعب الشرفي لمتابعة “الكوديم” أيام مجدها وقوتها.

 

كنت أفعل هذا رغم أنني كنت ضمن مدرسة صغار ” الكوديم”، حيث كان يطلب منا المدرب أن نحضر إلى بوابة الملعب في حدود الحادية عشر ويمنحنا قميصا أحمر يحمل في الظهر شعار وإسم الفريق، إلا أنني كنت أجد متعة في تسلق الأسوار والأشجار وكل ما علا على الأرض رفقة بعض الأصدقاء بدل دخول الملعب من بابه الواسع.

تسللت وسط الزحام، وجدت نفسي أمام ” لطيفة” المضيفة، تحمل بين يديها مصباحا يدويا، ترشد رواد السينما إلى أمكنتهم، لم أعرفها في بداية الأمر، فخلال زيارتها في الصباح لبيت “الشريفة” كانت ترتدي جلبابا باليا ومنديلا حال لونه، أما الآن فصارت ترتدي تنورة عصرية ووزرة بيضاء تشبه الممرضة.

 

استقبلتني بحفاوة، وقادتني نحو “البالكون” كنت أول مرة أشاهد فيها شريطا سينمائيا من “البالكون” حيث كنت أكتفي بمتابعتها في القاعة السفلى وفي الصفوف الأمامية حيث كنا نتمرد في دفع إتاوة إلى المضيفات فتتعمدن وضعنا في الصفوف الأمامية.

يتبع

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)