عن الأطباء : رسالة مؤثرة من طبيب جراح مغربي

الياس أعراب

 

نشر الدكتور ايمن بوبوح وهو طبيب جراح بسابق بالمستشفى الجامعي ابن سينا بالرباط، رسالة قوية و مؤثرة تحدث فيها عن معاناة الاطباء الذين يصلحون كثيرا و بالمقابل يواجهون بنكران الجميل و الطعن في مصداقيتهم و انسانيتهم.

وتناقل العديد من رواد الفايسبوك الرسالة/التدوينة التي نشرها الدكتور بوبوح على حائطه و التي تعيد شمس بوسط نشرها بالكامل. عن الأطباء:

 

عادة لا أقوم بالرد على تعاليق من قبيل “الأطباء أناس بدون ضمير وأن ما يهمهم هو جمع المال فقط وأنهم يفتقدون للإنسانية” كما أنني لا أعير لهذه الأشياء أدنى إهتمام، وأقول دائما في قرارة نفسي بأن الناس أعداء ما جهلوا وليس هناك داع أو جدوى لأي توضيح؛ لأنهم لا يرون الأمور إلا من منظور واحد” الأطباء مجموعة من النصابين الجزارين وهم ليسوا محل ثقة ولا كفاءة.” جال بخاطري الحديث عن هذا اليوم لأنني متعب كثيرا… لأني لم أنم بما فيه الكفاية طيلة هذا الأسبوع… و لأني خرجت للتو من غرفة العمليات… قبل منتصف الليل بقليل فيما يسميه الناس بعطلة نهاية الأسبوع …لأني ألغيت موعد الخروج مع عائلتي للمرة الألف… ولأني لم أزر والدي لأسبوعين متتالين بالرغم من تواجدنا بنفس المدينة… ولأني لم أعد قادرا على برمجة موعد أو لقاء أو بالأحرى لأني سئمت من إلغاء المواعيد واللقاءت مرات ومرات … لأني لم أعد قادرا أن أعيش حياة طبيعية كباقي الناس، فالأصل في هذه المهنة هو كثرة المتغيرات والمستعجلات والمضاعفات ومسابقة الزمن بالثانية و الدقيقة… ولأنه بعد كل يوم من العمل المضني والتوتر المزمن، لا أستطيع أن ألتقي بأحد ولا الإستماع لأحد ولا الحديث مع أحد. كل طاقتي تستنزف في إمتصاص غضب المرضى و ذويهم وقلقهم وترقباتهم والإجابة عن أسئلتهم والتركيز مع حالاتهم وتتبع تطور مرضهم وانتظار شفائهم… يستغرب الناس بالمقابل من برودة دم متخصصي الجراحة خصوصا والأطباء عموما ويعتبرون بأن ذلك من اللامبالاة وهم لا يعلمون بأن ما يرونه حدثا طارئا أو كارثة أو مصيبة هو معاشنا اليومي…نحمل حياة الناس على عاتقنا بشكل يومي ونلامس الموت بشكل يومي! ونسمع البكاء ونتحسر على أحوال الناس بشكل يومي! وتحترق أعصابنا في كل دقيقة ألف مرة ونفقد في كل يوم جزءا منا لكي نحاول إنقاذ ما يمكننا إنقاذه بما نجده من إمكانيات في منظومة صحية عوجاء حولاء وعرجاء تحرجنا أمام قلة حيلة الناس وضعف قوتهم من الصعب جدا أن نحقق التوازن بين الانفصال العاطفي الجاف عن الحالات المرضية والتعاطف الدرامي الزائد عن اللزوم… وأن نحقق التوازن بين التفاؤل والواقعية في مواجهة حالات مرضية معقدة تلفها مخاطر كبيرة. كما أن النجاح والفشل قد يكون خارجا عن سيطرة الجراح أو الطبيب لكون الطب ليس علما دقيقا كالرياضيات… وفي بعض الأحيان، بغض النظر عن مدى إتقان العمل من عدمه، قد تسوء الأمور لسبب ما، لأن الأطباء محكومين بنفس الحظ الغبي والإحصائيات التي تحكم كل هذا الكون. الأطباء ليسوا آلهة ! هم سبب في العلاج فقط… السبب الرئيسي من أسباب تتوالى في سلسلة العلاج؛ وبالرغم من الخبرة والمعرفة الطبية الواسعة فهناك هامش كبير لا يتحكم فيه الطبيب، فنحن لا نختلف عن غيرنا في شيء ؛ نحن بشر

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 1 )
  1. زكرياء ناصري :

    هذه الحُرقة التي يتحدّث بها الطبيب المحترم ما هي إلا انعكاس لسنوات مِن التراكمات في ضرب صورة الطبيب وتجريده من إنسانيته والقيم التي يحملها،وهو في ذلك لا يختلف كثيرا عن الأستاذ والمعلم ،إلى أن وصلت هذه النظرة العدائية للأسف عند كثير مِن أفراد ومكونات هذا المجتمع مَدَاها.لكن وإنْ كُنا قد وصلنا إلى هذا الحد فلابد أن تنتصر القيم في النهاية ،لأنّ كل مجتمع تبنيه قِيمه،والدليل هنا أنّ هذا الطبيب يؤدي واجبه كما يُمليه عليه ضميره الذي تغَذَّى بالأخلاق التي تربى عليها ويعي مفعولها.

    0

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)